من جهة العرف لأن تصرفه بالإذن فلا يملك إلا ما يقتضيه الإذن والإذن يعرف بالنطق وبالعرف فإن تناول الإذن تصرفين وفي أحدهما إضرار بالموكل لم يجز ما فيه إضرار لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا إضرار" فإن تناول تصرفين وفي أحدهما نظر للموكل لزمه مافيه نظر للموكل لما روى ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأس الدين النصيحة قلنا يارسول الله لمن؟ قال: لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وللمسلمين عامة١" وليس من النصح أن يترك ما فيه الحظ والنظر للموكل.
فصل: وإن وكل في تصرف وأذن له أن يوكل إذا شاء نظرت فإن عين له أن يوكله وكله أميناً كان أو غير أمين لأنه قطع اجتهاده بالتعيين وإن لم يعين من يوكل لم يوكل إلا أميناً لأنه لا نظر للموكل في توكيل غير الأمين فإن وكل أميناً فإن صار خائناً فهل يملك عزله؟ فيه وجهان: أحدهما يملك عزله لأن الوكالة تقتضي استعمال أمين فإذا خرج عن أن يكون أميناً لم يجز استعماله فوجب عزله والثاني لا يملك عزله لأنه أذن له في التوكيل دون العزل وإن وكله ولم يأذن له في التوكيل نظرت فإن كان موكله فيه مما يتولاه الوكيل ويقدر عليه لم يجز أن يوكل فيه غيره لأن الإذن لا يتناول تصرف غيره من جهة النطق ولا من جهة العرف لأنه ليس في العرف إذا رضيه أن يرضي غيره وإن وكله في تصرف وقال اصنع فيه ما شئت ففيه وجهان: أحدهما أنه يجوز أن يوكل فيه غيره لعموم قوله اصنع فيه ما شئت والثاني لا يجوز لأن التوكيل يقتضي تصرفاً يتولاه بنفسه وقوله اصنع فيه ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل في تصرفه بنفسه وإن كان ما وكله فيه مما لا يتولاه بنفسه كعمل لا يحسنه أو عمل يترفع عنه جاز أن يوكل فيه غيره لأن توكيله فيما لا يحسنه أو فيما يترفع عنه إذن في التوكيل فيه من جهة العرف وإن كان مما
١ رواه البخاري في كتاب الإيمان باب ٤٢.مسلم في كتاب الإيمان حديث ٩٥.