فصل: ولا يجوز إعارة جارية ذات جمال لغير ذي رحم محرم لأنه لا يأمن أن يخلو بها فيواقعها فإن كانت قبيحة أو كبيرة لا تشتهى لم يحرم لأنه يؤمن عليها الفساد ولا تجوز إعارة العبد المسلم من الكافر لأنه لا يجوز أن يخدمه ولا تجوز إعارة الصيد من المحرم لأنه لا يجوز له إمساكه ولا التصرف فيه ويكره أن يستعير أحد أبويه للخدمة لأنه يكره أن يستخدمهما فكره استعارتهما لذلك.
فصل: ولا تنعقد إلا بإيجاب وقبول لأنه إيجاب حق لآدمي فلا يصح إلا بالإيجاب والقبول كالبيع والإجارة وتصح بالقول من أحدهما والفعل من الآخر فإن قال المستعير أعرني فسلمها إليه انعقد وإن قال المعير أعرتك فقبضها المستعير انعقد لأنه إباحة للتصرف في مال فصلح بالقول من أحدهما والفعل من الآخر كإباحة الطعام.
فصل: وإذا قبض العين ضمنها لما روى صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعاً يوم حنين فقال أغصباً يا محمد قال: "بل عارية مضمونة" ولأنه مال لغيره أخذه لمنفعة نفسه لا على وجه الوثيقة فضمنها كالمغصوب فإن هلكت نظرت فإن كان مما لا مثل له ففي ضمانها وجهان: أحدهما يضمنها بأكثر ما كانت قيمتها من حين القبض إلى حين التلف كالمغصوب وتصير الأجزاء تابعة للعين إن سقط ضمانها بالرد سقط ضمان الأجزاء وإن وجب ضمانها بالتلف وجب ضمان الأجزاء والثاني أنها تضمن بقيمتها يوم التلف وهو الصحيح لأنا لو ألزمناه قيمتها أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التلف أوجبنا ضمان الأجزاء التالفة بالإذن وهذا لا يجوز ولهذا لو كانت العين باقية وقد نقصت أجزاؤها بالاستعمال لم يجب ضمانها وإن كان مما له مثل فإن قلنا فيما لا مثل له أنه يضمن بأكثر ما كانت قيمته لزمه مثلها وإن قلنا إنه يضمن بقيمته يوم التلف ضمنها بقيمتها واختلف أصحابنا في ولد المستعارة فمنهم من قال إنه مضمون لأنها مضمونة فضمن ولدها كالمغصوبة ومنهم من قال لا يضمن لأن الولد لم يدخل في الإعارة فلم يدخل في الضمان ويخالف المغصوبة فإن الولد يدخل في الغصب فدخل في الضمان فإن غصب عيناً فأعارها من غيره ولم يعلم المستعير وتلفت عنده فضمن المالك المستعير لم يرجع بما غرم على الغاصب لأنه دخل على أنه يضمن العين وإن ضمنه أجرة المنفعة فهل يرجع على الغاصب؟ فيه قولان: بناء على القولين فيمن غصب طعاماً وقدمه إلى غيره: أحدهما يرجع لأنه غره والثاني لا يرجع لأن المنافع تلفت تحت يده.
فصل: ويجوز للمعير أن يرجع في العارية بعد القبض ويجوز للمستعير أن يرد لأنه إباحة فجاز لكل واحد منهما رده كإباحة الطعام وإذا فسخ العقد وجب الرد على