المستعير لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية أدرعاً وسلاحاً فقال: أعارية مؤداة قال: "عارية مؤداة" ويجب ردها إلى المعير أو إلى وكيله فإن ردها إلى المكان الذي أخذها منه لم يبرأ من الضمان لأن ما وجب رده وجب رده إلى المالك أو إلى وكيله كالمغصوب والمسروق.
فصل: ومن استعار عيناً جاز له أن يستوفي منفعتها بنفسه أو بوكيله لأن الوكيل نائب عنه وهل له أن يعير غيره؟ فيه وجهان: أحدهما يجوز كما يجوز للمستأجر أن يؤجر والثاني لا يجوز وهو الصحيح لأنه إباحة فلا يملك بها الإباحة لغيره وكإباحة الطعام ويخالف المستأجر فإنه يملك المنافع ولهذا يملك أن يأخذ عليه العوض فملك نقله إلى غيره كالمشتري للطعام والمستعير لا يملك ولهذا لا يملك أخذ العوض عليه فلا يملك نقله إلى غيره كمن قدم إليه الطعام.
فصل: وتجوز الإعارة مطلقاً ومعيناً لأنه إباحة فجاز مطلقاً ومعيناً كإباحة الطعام فإن قال أعرتك هذه الأرض لتنتفع بها جاز له أن يزرع ويغرس ويبني لأن الإذن مطلق وإن استعار للبناء أو للغرس جاز له أن يزرع لأن الزرع أقل ضرراً من الغراس والبناء فإذا رضي بالبناء والغراس رضي بالزرع ومن أصحابنا من قال إن استعار للبناء لم يزرع لأن في الزرع ضرراً ليس في البناء وهو أنه يرخي الأرض وإن استعار للزرع لم يغرس ولم يبن لأن الغراس والبناء أكثر ضرراً من الزرع فلا يكون الإذن في الزرع إذناً في الغراس والبناء وإن استعار للحنطة زرع الحنطة وما ضرره ضرر الحنطة لأن الرضا بزراعة الحنطة رضا بزراعة مثله وإن استعار للغراس والبناء ملك ما أذن فيه منهما وهل يملك الآخر فيه وجهان: أحدهما أنه يملك الآخر لأن الغراس والبناء يتقاربان في البقاء والتأييد فكان الإذن في أحدهما إذناً في الآخر والثاني أنه لا يجوز لأنه في كل واحد منهما ضرراً ليس في الآخر فإن ضرر الغراس في باطن الأرض أكثر وضرر البناء في ظاهر الأرض أكثر فلا يملك بالإذن في أحدهما الآخر.
فصل: وإن أعاره أرضاً للغراس أو البناء فغرس وبنى ثم رجع لم يجز أن يغرس ويبني شيئاً آخر لأنه يملك الغراس والبناء بالإذن وقد زال الإذن فأما ما غرس وبنى فينظر فإن كان قد شرط عليه القلع أجبر على القلع لقوله صلى الله عليه وسلم: "والمؤمنون عند شروطهم" ولأنه رضي بالتزام الضرر الذي يدخل عليه بالقلع فإذا قلع لم تلزمه تسوية الأرض لأنه لما