للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن وقف وقفاً مطلقاً ولم يذكر سبيله ففيه قولان: أحدهما أن الوقف باطل لأنه تمليك فلا يصح مطلقاً كما لو قال بعت داري ووهبت مالي والثاني يصح وهو الصحيح لأنه إزالة ملك على وجه القربة فصح مطلقاً كالأضحية فعلى هذا يكون حكمه حكم الوقف المتصل الإبتداء المنقطع الإنتهاء وقد بيناه.

فصل: ولا يصح الوقف إلا بالقول فإن بنى مسجداً وصلى فيه أو أذن للناس بالصلاة فيه لم يصر وقفاً لأنه إزالة ملك على وجه القربة فلم يصح من غير قول مع القدرة كالعتق وألفاظه ستة: وقفت وحبست وسبلت وتصدقت وأبدت وحرمت فأما الوقف والحبس والتسبيل فهي صريحة فيه لأن الوقف موضوع له ومعروف به والتحبيس والتسبيل ثبت لهما عرف الشرع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: "حبس الأصل وسبل الثمرة" وأما التصدق فهو كناية فيه لأنه مشترك بين الوقف وصدقة التطوع فلم يصح الوقف بمجرده وإن اقترنت به نية الواقف أو لفظ من الألفاظ الخمسة بأن يقول تصدقت به صدقة موقوفة أو محبوسة أو مسبلة أو مؤبدة أو محرمة أو حكم الوقف بأن يقول صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث صار وقفاً لأنه مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف وأما قوله حرمت وأبدت ففيه قولان: أحدهما أنه كناية فلا يصح به الوقف إلا بإحدى القرائن التي ذكرنا لأنه لم يثبت له عرف الشرع ولا عرف اللغة فلم يصح الوقف بمجرده كالتصدق والثاني أنه صريح لأن التأبيد والتحريم في غير الأبضاع لا يكون إلا بالوقف فحمل عليه.

فصل: وإذا صح الوقف لزم وانقطع تصرف الواقف فيه لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها١" لا تباع ولا توهب ولا تورث ويزول ملكه عن العين ومن أصحابنا من خرج فيه قولاً آخر أنه لا يزول ملكه عن العين لأن الوقف حبس العين وتسبيل المنفعة وذلك لا يوجب زوال الملك والصحيح هو الأول لأنه سبب يزيل ملكه عن التصرف في العين والمنفعة فأزال الملك كالعتق واختلف أصحابنا فيمن ينتقل الملك إليه فمنهم من قال: ينتقل إلى الله تعالى قولاً واحداً لأنه حبس عين وتسبيل منفعة على وجه القربة أزال الملك إلى الله تعالى كالعتق ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما أنه ينتقل إلى الله تعالى وهو الصحيح لما ذكرناه والثاني أنه ينتقل إلى الموقوف عليه لأن ما أزال الملك عن العين لم يزل المالية ينقل إلى الآدمي كالصدقة.


١ تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>