الدار معصية تطول وخروجه معصية قليلة ولهذا لو قصد إنسانا مؤمنا ليقتله ظلما فهرب منه فاختبأ فجاء إلى من قد رآه فقال رأيت الذي فر منى كان له أن يقول لم أره ليدفع أعظم المعصيتين بأقلهما.
والتحقيق أن هذه الأفعال يتعلق بها حق الله وحق الآدمي فأما حق الله فيزول بمجرد الندم وأما حقوق العباد فلا تسقط إلا بعد أدائها إليهم وعجزه عن إيفائها حين التوبة لا يسقطها بل له أن يأخذ من حسنات هذا الظالم في الآخرة إلى حين زوال الظلم وأثره كما له أن يضمنه ذلك في الدنيا إذ لو كان عليه ديون من ظلم عجز عن وفائها أو قتل نفوسا لم يستحل أربابها ولا يعرفهم وكلام ابن عقيل يقتضى ذلك فإنه شبهه بمن تاب من قتل أو إتلاف أموال محترمة مع بقاء أثر ذلك القتل والإتلاف لكنه ادعى أن توبته في هذه المواضع تمحو جميع ذلك وهذا لإطلاق إن لم يقيد وإلا فليس بجيد ثم ذكر أن الإثم واللائمة والمعتبة تزول عنه من جهة الله وجهة المالك ولا يبقى إلا حق الضمان للمالك١.
قلت هذا ليس بصحيح بدليل أن الجارح لو تاب بعد الجرح لم يسقط عنه القود وكذلك الذي أوقع نفسه على نيام فمات أحدهم بمكثه عليه فإنه يجب عليه القود ولو كان كالمخطئ لم يجب عليه إلا الدية وكذلك التائب بعد وجوب القود لا يسقط عنه ولو كان مخطئا من الإبتداء لما وجب عليه إلا الدية فقد فرقت الشريعة بين من كان معذورا في ابتداء الفعل وبين التائب في أثناء الفعل وأثره فهذا القول الثالث هو الوسط لمن يتأمل وهكذا هو القول فيمن أضل غيره معتقدا أنه مضل وأما من كان لا يرى أنه مضل فهو كالكافر إذا قتل مسلما أو دعا إلى الكفر ثم تاب فإن جميع معاصيه اندرجت في ضمن اعتقاده وأظن هذا قول الجويني.