وكان من عباد الله الصالحين، ومن الأولياء المخلصين. وحسبه من ورعه أنه ولي القضاء بتلمسان سنين طائلة، فلما توفي لم يوجد له غير قطيفة، ووسادة صوف، نفع الله به.
ومن سعة علمه أنه رتب التبصرة للإمام أبي الحسن اللخمي وأتى بها نسقا على أبواب التهذيب؛ ومسائله اعتنى بها فقهاء الأمصار وعرفوا بها قدره في العلوم.
وقدّمه على قضاء الجماعة بتلمسان أمير المسلمين المنصور بالله أبو الحسن علي المريني، فأظهر من التصميم في الحق وإقامة منار الشريعة ما يكل اللسان عن وصفه. وأحمد والد محمد كان أيضا [٦٤/أ] من أهل العلم البارع، ودرّس العلوم، وأفتى، وولي قضاء الجماعة في بعض بلاد إفريقية. وكان علي والد أحمد إماما عالما مدرسا مفتيا محدثا حافظا، وولي قضاء الجماعة بتونس لأمير المؤمنين المستنصر بالله، المنصور بفضل الله أبي عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الموحّد؛ وقدمه المستنصر بالله هذا على حجابته، وقلده خطّة علامته.
ونسبه في تميم، ويقال إنه من بني الأغلب التميميين، ملوك إفريقية.
والحاجب أبو عبد الله هذا كان ملازما لأمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان المريني في الصّحبة بتلمسان (١)، في إمارته حين قدمه
(١) تلمسان: مدينة شهيرة في المغرب الأوسط. كان لها دور بارز في تاريخ المنطقة منذ استقلال بني زيان واتخاذهم تلمسان عاصمة لهم. وهي مركز ثقافي وحضاري هام على مدى الأعصر الإسلامية. وتقع اليوم في القطر الجزائري. وهي تزخر بأثار إسلامية موحدية ومرينية هامة.