المدينة البيضاء، ثم سرحه من السجن السعيد بالله أبو يحيى أبو بكر بعد وفاة أبيه أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان، واستكتبه في حضرته. ثم ارتحل إلى بلاده الإفريقية؛ فقدمه حاجبا أمير المؤمنين المستنصر بالله أبو عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا يحيى بن أمير المؤمنين المتوكل على الله المؤيد بنصر الله أبي يحيى أبي بكر الحفصي الموحد ببجاية. وهو الآن بالأندلس في حضرة ابن عمنا أمير المسلمين الغني بالله أبي عبد الله محمد المخلوع. وحين كان في سجن أمير [٨٣/ب] المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان بعث من السجن (١) لأبي عنان المتوكل في العشر الأول من شعبان عام تسعة وخمسين وسبع مئة قصيدة رائقة من نظمه يستعطفه بها، وكان له في السجن ثمانية عشر شهرا.
[حاله]
هو ممن لا ينكر حقه في ارتياض العلوم الشريفة، واستئصال رتبها العالية المنيفة. لما احتوت عليه ترجمة ذكره، وخبيئة فكره، من أساليب النظام الرائقة الحلاء. ومجاري أقوال النثر البارعة في الإنشاء. ولا يسع المصنف في هذا الشأن أن يتركه، لظرفه الكامل؛ ولا يدعه لعلمه الشامل. له باع واسع في المنطق وعلم النجوم، وما يتعلق بالعلوم النظرية والفهوم؛ وطريقة رائقة الفروع والأصول، كاد أن يصل بها إلى درجة الاجتهاد غاية الوصول. ومعرفة بالتواريخ الحديثة والقديمة، وإرسال ديمة من سحائب علمه يتبعها ديمه!
(١) تفصيل خبر سجنه في «التعريف» ص ٦٦، وقد عقد ابن خلدون فصلا بعنوان «حدوث النكبة من السلطان أبي عنان».