قال «٣٨٥» : وكان قد أمرنا إذا رأينا شيئا ننكره أن نقوله له وإن أطلعنا له على عيب واجهناه به. فقلت له يوما، ونحن على مجلس أنس: يا مولانا، في قلبي شيء أردت سؤالك عنه منذ سنين. قال: ولم أخّرته إلى هذه المدة؟ قلت: استصغاري لنفسي وهيبة الخلافة منعانى عن ذكره. قال: قل ولا تخف. قلت: ذلك اليوم حين اجتزت في بلاد فارس وأمرت بضرب الغلمان وحبسهم قد كان ذلك كافيا فلم أمرت بصلبهم وما اعتمدوا ما يستوجبون عليه القتل؟ قال: أو تحسب أن المصلّبين كانوا هم الغلمان؟ وبأىّ وجه كنت ألقى الله تعالى يوم القيامة لو صلبتهم جزاء على غصب البطيخ وإنما أمرت بإخراج أقوام من قطّاع الطريق قد وجب عليهم القتل وأمرت بأن يلبسوا أقبية الغلمان وقلانسهم «٣٨٦» إقامة للهيبة في قلوب العسكر حتى [٦٧ ب] إذا علموا أنى إذا كنت أصلب أخصّ غلماني على غصب بطيخ فكيف أكون مع غيرهم في غصب ما زاد على ذلك؟ وإنما أمرت عند صلبهم بتلثيمهم ليتستّر الأمر على الناس. ثم قال لي: أبقى عندك شيء؟ قلت: لا، قال: بلى والله أرى في وجهك كلاما، قلت: أقول عن إذنك؟ قال: قل، قلت: أحمد بن الطيّب طبيبك وخاصك وغرس دولتك لم قتلته؟ قال: ويلك إني كنت سمعت أنه زنديق ولم أصدّق ذلك عليه فجاءني في خلوة يدعونني إلى دين الزندقة فقلت له: إني ابن عم رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- وقائم في مقامه وخليفة الله في أرضه فإذا تزندقت من أكون؟
فأخذ يراجعني ويلحّ عليّ ففعلت به ما فعلت ولم أعلم أحدا بسبب ذلك حتى لا يكون ذلك عارا على أعقابه واحتملت ما عليّ في ذلك من قلة الوفاء وسوء العهد وقد أحوجتنى الآن إلى ذكره واكتم أنت ذلك أيضا عليه.
وقال «٣٨٧» ابن حمدون: ما رأيت في عمري أقوى قلبا ولا أشجع من المعتضد.
انفرد يوما عن العسكر وكنت معه لا ثالث لنا فلما بعدنا عن الخيم وصرنا في وسط الصحراء خرج علينا الأسد وقرب وقصدنا فقال لي: يا ابن حمدون أفيك خير؟ قلت: