هو أبو عبد الله، محمد بن المستظهر باللَّه، بويع له في اليوم الثالث من رحيل الراشد باللَّه إلى الموصل، وهو يوم الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة سنة ثلاثين وخمس مائة. وأمه أم ولد اسمها «ست السادة» ، وتولّى أخذ البيعة له على الناس السلطان غياث الدنيا والدين أبو الفتح [١١٥ ب] مسعود واخوه سلجوق شاه وشرف الدين أبو القاسم على بن طراد الزينبي.
واستوزر شرف الدين المذكور وكل من كان على عمل أقرّه على عمله. ثم جرت بينه وبين شرف الدين الزينبي المذكور أمور نسبه فيها إلى مواطأة الأتراك عليه فاستشعر الزينبي منه وهرب والتجأ إلى دار السلطان ثم أصلح بينهما ثم عزله «٧٠٢» بعد ذلك ورتّب مكانه غرس الدولة ولد الزعيم بن جهير ولقّبه «نظام الدين»«٧٠٣» وما تمشّى له أمر في الوزارة فاستأذن في الحج ثم عاد ولزم بيته.
فاستوزر الخليفة بعده أبا القاسم عليّ «٧٠٤» بن صدقة بن عليّ بن صدقة ولقّبه «قوام الدين» ولم تطل مدته وعزله.
واستوزر أبا المظفر يحيى «٧٠٥» بن محمد بن هبيرة الفزاري ولقّبه «عون الدين» وكان كافيا يملأ العين والقلب، وكان كاتبا بليغا فصيحا عالما بالنحو واللغة والفقه والأحاديث والقرآن العظيم المجيد وتفسيره، وصنّف كتبا في ذلك كله. وكان حسن التدبير للأمور والسياسة محبّا لأهل العلم كثير الميل إلى أرباب الصلاح والدين، ولو أخذت في ذكر مناقبه وحسن سيرته لجاءت مجلدات عظيمة ولم أقدر أستقصى على بعضها ولم يسمع بأن كان لبني العباس وزير مثله قبله ولا بعده «٧٠٦» رضى الله عنه وأرضاه-.
وفي سنة أربع وخمسين وخمس مائة غرقت بغداد الغرق الثاني «٧٠٧» .
وتوفى المقتفى لأمر الله- رضى الله عنه- في مستهلّ شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمس مائة وصلّى عليه [ولده] المستنجد باللَّه ودفن في داره سنة ثم نقل إلى الترب بالرصافة [١١٦ أ] . وانقضت أيام المقتفى لأمر الله- رضى الله عنه-.