هو أبو العباس، أحمد بن المقتدى بأمر الله. بويع له في رابع المحرم سنة سبع وثمانين وأربع مائة، وهو اليوم الثالث من وفاة أبيه بعد الجلوس [١٠٣ ب] للعزاء على العادة.
وكان مولده بدار الخلافة سنة سبعين وأربع مائة. وكانت أمه تركية «٦٣٠» ولم ير في زمانه أصبح وجها منه.
وحين دخل عليه أهل الحلّ والعقد للبيعة وسائر وجوه الأشراف والأجناد والقضاة، كان الوزير عميد الدولة «٦٣١» واقفا بين يدي سدّته ومعه قاضى القضاة أبو الحسن عليّ «٦٣٢» بن محمد الدامغانيّ ونقيب النّقباء أبو القاسم عليّ «٦٣٣» بن طراد الزينبي وبايعه الخلق كافة.
وحكى شرف الدين، نقيب النّقباء، قال: لما بايعه حجّة الإسلام أبو حامد، محمد ابن محمد الغزالي- قدّس الله روحه- تلجلج وتوقّف فسألته بعد ذلك عن السبب في في توقّفه مع ما أعرفه من جرأة لسانه، فقال لي: والله لقد عنيت «٦٣٤» في نفسي كلاما ألقاه به عند البيعة فلما وقعت عيني عليه بهتّ لجمال صورته فانقطع خاطري.
وجرت أموره كلها على السداد، وكان مشغولا بشأنه محبّا للترفّه والتنعّم، آخذا من لذّات الدنيا بأوفر الأنصباء، ولم يكن يشره إلى أموال الرعيّة ولا يطمع لا في صغير ولا في كبير وكانت الدنيا والعراق خاصة في أيامه هادئة والعين نائمة وأمور دولته مستقيمة، إلا أنه احتقد على عميد الدولة بن جهير أشياء كان يعامله بها أيام أبيه، فحين أفضت الخلافة إليه أقرّه على الوزارة ثم قبض عليه بعد ذلك وأدخله حمّاما وسمّر عليه حتى مات فيه، وحين فتحوه رأوه ميتا وقد وضع أنفه على مسيل الماء كأنه يستنشق منه الهواء فنقلوه من الحمّام إلى مكان آخر وألبسوه ثيابا وأدخلوا عليه جماعة من القضاة والمعدلين حتى يشهدوا بما رأوا من [١٠٤ أ] حاله وأنه لا أثر فيه وأنه مات حتف أنفه، ودخل في الجملة أخواه، الزعيم والكافي، فصاح الكافي: