[٤٦ أ] هو أبو جعفر، هارون بن المعتصم باللَّه، بويع له يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين، وأمه جارية اسمها «قراطيس» رومية.
ووقّع إلى بغداد إلى واليها الأمير إسحاق بن إبراهيم المصعبي «٢٥٩» ليأخذ البيعة على الناس ببغداد فأخذها في يوم السبت «٢٦٠» وجلس الواثق للناس جلوسا عاما للهناءة فدخل إليه الشعراء وكان فيهم على بن الجهم فأنشده «٢٦١» :
وثقت بالملك الواثق باللَّه النفوس ... ملك يشقى به المال ولا يشقى الجليس
أسد تضحك عن شدّته الحرب العبوس ... أنس السيف به واستوحش العلق النفيس
يا بنى العباس يأبى الله إلا أن تروسوا
وكان الواثق شاعرا أديبا كريما حليما حافظا لأشعار العرب، عارفا بالغناء، يدعى المأمون الصغير. وكان المأمون يجلسه وأبوه المعتصم واقف. وهو ربّاه. وكان يقول للمعتصم: يا أبا إسحاق لا تؤدّب هارون فإنّي أرضى أدبه. وكان قد تبنّى به «٢٦٢» حتى كان يعلّمه الأدب والخط بنفسه ويقرئه القرآن بنفسه. وكانت أحواله كلها وتصاريفه شبيهة بأحوال المأمون. وكان الواثق لبلاغته يصعد المنبر ويرتجل الخطب على البديهية من غير أن يروّى فيها.
ومن شعره في إنسان من أهل بيته:
أنت الوضيع بنفسه لا بيته ... ما أنت من أعلى العيوب بسالم [٤٦ ب]
ولكل بيت دقة وقمامة ... تلقى وأنت قمامة من هاشم «١٢٦٢»
وكان أكرم الناس طبعا وأجود الخلق بالمال، أما كرم طبعه فيدل عليه ما حكى عنه المسدود «٢٦٣» المغنى وكان أخشم لا يشم شيئا ولذلك سمى المسدود. قال: كان الواثق على عينه اليمنى كوكب صغير قلّ ما كان يظهر إلا لمن يقرب منه فاتفق يوما