وغنّيت بها وذكرت اسمه فيها فأوصلها بعض من يعاندني إلى سمعه فدخلت عليه يوما فقال لي، وهو يضحك: أنت يا مسدود أحب هؤلاء كلهم إليّ للمناسبة التي بيننا، أنت في أنفك وأنا في عيني فمتّ فزعا فمازحنى وبسطنى وقال لي: لم تخاف منى؟
والله يا مسدود لقد جئت بها حلوة وسوف تبقى بعدنا على الدهر ولكن أعفنى من أخرى فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وإذا أردت أن تمجن فاستطرد بغيري.
وأما سخاوته، فيدل عليها ما حكاه إسحاق «٢٦٤» بن إبراهيم الموصلي بعد وفاة الواثق قال: كنت في أيام الواثق قد علت سنى وضعف بصرى وكان ديوان الراتب على الخلفاء قبله سوى الجوائز التي كانت تصلني في النواريز والأعياد وفي أعراسهم وأفراحهم سوى ما كان يصلنى من أتباعهم وخدمهم، خمسين ألف درهم. فقيل له:
وكم كان يكون كلما يصل [٤٧ أ] إليك من الوجوه كلها؟ فقال: أربع مائة ألف درهم.
قال: فلما ضعف بصرى في أيام الواثق لزمت بيتي ببغداد فكان الواثق يأمر والى بغداد من قبله وهو الأمير إسحاق بن إبراهيم بن مصعب بإيصال ديواني إليّ ما نقصني منه شيئا. فاتفق في بعض السنين أن ذكروني في مجلسه وقالوا: قد بقيت فيه بقية حسنة فلو أمرت بإحضاره لحصل لك به أتم أنس. فنفذ إليّ قاصدا من سامراء يستحضرني وتوقيعا إلى إسحاق بن إبراهيم بإزاحة علّتى في كل ما أحتاج إليه فامتثلت أمره وصرت إليه وأقمت عنده شهرا ثم إنه عنّ له أن يتصيد فخرج وخرجنا معه وكان يتصيد في نواحي عكبرا فلما وصلنا إلى عكبرا وقربنا من بغداد ذكرت أولادي واشتقت إليهم فقلت له: يا أمير المؤمنين قد حضرني بيتان قال: هاتهما فأنشدته:
طربت إلى الأصيبية الصغار ... وهاج لي الهوى قرب المزار
وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار «٢٦٥»