هو أبو العباس، عبد الله بن هارون الرشيد. وأبو العباس كنيته كنّاه بها أبوه فأما هو فإنه تكنّى بعد موت أبيه بأبي جعفر وهي كنية الرشيد وكنية المنصور.
وأمه أم ولد كانت طبّاخة واسمها «مراجل» وأصلها من باذغيس، وكان أكبر من الأمين وكانت زبيدة بقيت مع الرشيد مدة لم تحبل فشكا ذلك إلى بعض خواصه فقال:
يا أمير المؤمنين نبّه رحمها بإحبال بعض جواريك. فدخل يوما إلى المطبخ فرأى مراجل المقدم ذكرها فجذبها وجامعها ونفذ إلى زبيدة من يعلمها بذلك. ونفذ إليها بعد أيام من يخبرها بأن مراجل حبلت. فلما كان بعد أيام قلائل حبلت زبيدة بالأمين «٢٠٠» .
وتقلّد المأمون الخلافة وسنه سبع وعشرون سنة، وكان مولده ببغداد في الليلة التي استخلف فيها الرشيد وهي ليلة النصف من ربيع الأول سنة سبعين ومائة. ولم تلبث أمه بعد ولادته إلّا قليلا وماتت وهو طفل فصيّره الرشيد في حجر الجوهري «٢٠١»[٣٦ أ] مولاهم فأرضعته زوجة سعيد، ثم كبر فأدّبه أبو محمد اليزيدي «٢٠٢» وجمع له الرشيد الفقهاء والمحدثين من الآفاق فبرع وفاق في سائر العلوم على سائر أبناء جنسه وعصره وكان يسمى نجيب بنى العباس، وكان الرشيد معجبا به شديد الحب له. وكان إذا رآه يصطنع الناس بأقواله وأفعاله ورأى محمد بن زبيدة يشتغل بجمع المال وبنى الدور والقرى يتمثّل بهذا البيت:
يبنى الرجال وغيره يبنى القرى ... شتّان بين قرى وبين رجال
وكانت زبيدة تعاتبه دائما وتقول: أنت تحب عبد الله أكثر من ابني. فقال لها يوما وقد ذكرت له ذلك: تريدين أن أعرفك الفرق بين محمد وبين عبد الله؟
قالت: الأمر لك. فدعا «٢٠٣» خادمين وقال لأحدهما: امض إلى محمد واجلس عنده وانبسط في الحديث ثم قل له في أثناء كلامك: يا سيدي إذا أفضت الخلافة إليك ماذا تصنع معى؟ وقال للآخر: امض إلى عبد الله واجلس عنده وتحدّث معه وقل له في أثناء حديثك مثل هذا وأعد عليّ ما يكون في جوابه فمضيا ولبثا ساعة وعاد