للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شفيت النفس من حمل ابن بدر ... وسيفي من حذيفة قد شفاني [٣٥ أ]

فإن أك قد بردت بهم غليلى ... فلم أقطع بهم إلا بنانى «١٩٥»

ثم بكى، فقال له الفضل: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: تذكّرت لمحمد مع عقوقه قليل برّه، أمر لي الرشيد يوما بمائة ألف دينار وأمر له بمائتي ألف ولم يعلم بذلك فبادرت فبشّرته بها فقال: يا أخى لعل في نفسك شيئا من تفضيلي عليك قد جعلتها بأسرها لك جزاء بشارتك لي فصرف الثلاث مائة ألف إليّ. فقال له الفضل: يا أمير المؤمنين كيف تحمد على بذل مال من سمح بسفك الدماء ونقض العهد والميثاق وآثر الغدر على الوفاء؟ فقال المأمون: ذلك هو الّذي يسلّينى عنه.

وكان مولد الأمين بالرصافة سنة إحدى وسبعين ومائة. وقتل ليلة الأحد لخمس بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة. وعمره ثمان وعشرون سنة، وكان جميلا لم يكن في زمانه أصبح وجها منه، وكان أقنى أنزع طويل القامة والعنق، أبيض الوجه أسود العينين أسود الشعر بعيد ما بين الكتفين متواضعا في كلامه وجلوسه، سخيّا بكل ما يملك. وفيه يقول عليّ بن الجهم في قصيدته المزدوجة التي ذكر فيها الخلفاء بأسرهم «١٩٦» :

وبايعوا محمد الأمينا ... فنكثوا البيعة أجمعينا

وأمّنوه ثم قتلوه ... ما هكذا عاهدهم أبوه

ثم انقضت أيام الأمين. وحكى «١٩٧» شيخ كان يتردد إلى يحيى بن خالد وهو في الحبس. قال: قال لي يوما يحيى بن خالد: قتل هارون أولادي والله [٣٥ ب] ليقتلنّ ولده. واستباح حريمي والله ليستباحن حريمه. وكنت أستبعد هذا وأقول من يقتل ولده ويستبيح حريمه إلى أن جاء طاهر ونهب دار هارون وقتل ولده محمدا وأخرج جواريه وحرمه حافيات حاسرات، فصحّ عندي ما قاله يحيى وصدقت قول القائل «١٩٨» :

من ير يوما يربه ... والدهر لا يغتر به

[قضاة الأمين: إسماعيل بن حمّاد [بن] أبى حنيفة [و] أبو البختري] [١] «١٩٩» .


[١] ما بين الأقواس لم يرد في نسخة فاتح ولعله من إضافات أحد الذين وقع الكتاب بأيديهم ولعل هذه الإضافات حدثت في النسخة التي منها انتسخت نسخة لا يدن. انظر المقدمة.

<<  <   >  >>