من البرد فبينا أنا على تلك الحالة إذ سمعت جلبة وإذا بقوم يدخلون الدار فطالعت من خصاص الباب وإذا بقوم معهم شموع ومشاعل وبأيديهم الأسلحة ومحمد الأمين بينهم عريان كان قد خرج من الماء وأسروه كما أسرونى إلا أنهم لا يعرفونه فجاءوا به إلى البيت الّذي كنت فيه وفتحوا الباب وأدخلوه إليّ وأنا قد رأيته وهو لا يراني لظلمة البيت الّذي كنت فيه ثم أغلقوا الباب ومضوا فسمع في البيت حسا فكأنه أنس بذلك وقال: من تكون؟ قلت: عبدك، قال: أيّ العبيد أنت؟ قلت: أحمد بن سلام. قال: تقدم إليّ فإنّي أجد وحشة فتقدّمت إليه ثم قال لي: قد بقي عليّ الوتر وأنا أصلّيه الآن. فقام ليصلي فإذا بالجماعة قد عادوا وهم يقولون بالفارسية «پسر زبيدة، پسر زبيدة»«١٩٢» فلما سمع آيس من نفسه ثم جاءوا إلى البيت الّذي كنا فيه وفتحوه فلو أنه ثبت [٣٤ ب] في مكانه لما عرفوا أينا الأمين إلا أنه لما رآهم أخذ مخدة كانت في البيت يتترس بها ويقول:
يا قوم إني ابن عم رسول الله وابن الرشيد وأخو المأمون. فقال أحدهم: لك نطلب وضربه على المخدة فسقط على وجهه فأكب عليه وذبحه من قفاه وأخذ رأسه وخرج وتركونى ما طعمت غمضا من هول ما رأيت. فلما كان وقت الصبح جاء الخراساني الّذي أسرنى وقال لي: أين أسيرى؟ قلت: أنا هو، قال: تكذب. أنت هرّبته وقعدت مكانه. قلت له: يا هذا ألست كنت وعدتك بعشرة آلاف دينار؟ فأنا أسلّمها إليك اليوم وهبنى كنت هو أو غيره. فلما سمع ذلك منى قال لي: يا هذا أسيرى البارحة كان شابا وأراك شيخا فمددت عيني نحو لحيتي وتأمّلتها وإذا قد وخطني الشيب من هول ما رأيت تلك الليلة وعرف الرجل صدق قولي فقال لي: قم امض لحال سبيلك وقد جعلتك في أوسع الحل من المال والله لا كنت سببا لأن أجمع عليك بين الفقر والشيب «١٩٣» .
ثم إن طاهر أخذ رأس الأمين ونفذه إلى مرو إلى المأمون فأدخلوه إليه على ترس وعنده ذو الرئاستين الفضل بن سهل وزيره. فقال المأمون: إنّا للَّه، أمرناهم أن يأتوا به أسيرا فأتوا به عقيرا «١٩٤» . فقال له الفضل: يا أمير المؤمنين إنه قد كان ما كان فاحتل لنا في العذر وحينئذ تمثل المأمون بهذين البيتين: