هو أبو العباس [أحمد] بن الأمير الموفق الناصر لدين الله، أبى أحمد، طلحة ابن جعفر المتوكل على الله.
بويع للمعتضد يوم الاثنين ثالث رجب من سنة تسع وسبعين ومائتين وله سبع وثلاثون سنة لأن مولده كان في ربيع الأول سنة أربعين ومائتين، وأمه أم ولد اسمها «ضرار»«٣٧١» .
وكان المعتضد باللَّه أكمل الناس عقلا وأعلاهم همّة، حلب الدهر أشطره وعاقب بين شدته ورخائه. وكان مقداما عادلا سخيّا، اجتمع فيه من محاسن [٦٤ أ] الشّيم ومكارم الأخلاق ما تفرق في جماعة من أهل بيته وما كان يقر في دار الملك بل قطع أيامه بالأسفار في شرق الأرض وغربها لغزو الكفار أو لقمع الخوارج.
وكان قد أبطل المضارب الكبار. وكانت غزواته شبيهة بالكبسات. وكان [قد] أمر جميع عسكره أن يستصحب كل واحد منهم تحت ركابه الزاد والماء والمقدحة والحراق. وكان يقول: ما أقصد أحدا على غفلة باسم الخلافة إلا هاله أمرى. وكان إذا قصد ثغرا أو عدوّا لا يعرف له خبر قبل وصوله إليه. وكان يبقى عليه القباء السنة والأقل والأكثر لا ينزعه عن بدنه. وكان يقول: أن الّذي أصلحت الدنيا بعد ما فسدت ورددت ملك بنى العباس بعد ما ذهب، وكان صادقا في قوله.
وذكر مناقبه لا يتسع لها مجلدات، إلا أننى أذكر من ذلك ما يحتمل هذا المختصر.
حكى «٣٧٢» أن تاجرا عامل بعض الأمراء أيام المعتضد باللَّه فمطله فشكا ذلك إلى بعض أصدقائه فقال له: عليك بفلان الخياط إمام المسجد الفلاني فهو يستخرج لك الحق منه. قال: فقصدت الخياط وسلّمت عليه وشرحت له حالي وسألته في استخلاص حقي فقال: حبّا وكرامة ونفذ معى إليه رقعة لطيفة فعرضتها عليه فتغيّر وجهه ثم أمر فسلّم إليّ المال في الحال فأخذته ووضعته في بيتي وعدت إلى الخيّاط