هو أبو الفضل، جعفر بن المعتصم باللَّه. وكان الواثق عند موته منحرفا عنه، ما نص عليه ولا على غيره. وحين توفى الواثق تولّى تغميض عينيه وتوجيهه نحو القبلة القاضي أحمد بن أبى دؤاد. وخرج من عنده إلى دار العامة فوجد الوزير محمد بن عبد الملك الزيات قد [٤٨ ب] نفذ إيتاخ الطبّاخ لإحضار محمد بن الواثق وجاء به وألبسه السواد ومنطقه فأنكر ذلك ابن أبى دؤاد وقال: لو كان أبوه يعلم أنه يصلح للأمر لعهد إليه. ونفذ هو فأحضر جعفر بن المعتصم فشقّ ذلك على ابن الزيات لما كان في نفس جعفر منه، ولما كان يعامله به في حياة الواثق فإن ابن الزيات حلق شعر جعفر وضرب به وجهه وقطع أرزاقه وألزمه بيته. فشق عليه مبايعته بعد إساءته إليه وخاف منه على نفسه وقال لابن أبى دؤاد: نشدتك الله في أمر الرعية أن تولّى عليها مثل جعفر.
فقال له ابن أبى دؤاد: أنا ما أعرف فيه ما تعرف لأني ما أسأت إليه، وإن يكن قليل الخبرة بالأمور فالخلافة تهذّبه وليس في الجماعة أكبر سنّا منه. وحين حضر جعفر قام ابن أبى دؤاد وألبسه السواد ومنطقه بيده ووضع الرصافية «٢٧٤» على رأسه وعمّمه عليها وأخذ بيده وأقعده على السرير وتقدم فقبّل بين عينيه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فردّ السلام عليه وشكره وأثنى عليه.
وأمر ابن أبى دؤاد الحجّاب بالإذن للناس فدخلوا على طبقاتهم للمبايعة وأمر ابن أبى دؤاد بأن يكتب بيعته إلى الآفاق فقال ابن الزيات: السمة تكون ماذا؟ فأخذ ابن أبى دؤاد رقعة وكتب فيها ألقابا تصلح للخلافة وسلّمها من يده إلى يد جعفر فاختار منها المتوكل على الله «٢٧٥» .
وحكى ابن الزيات قال: أخرج من خفّه دواة [٤٩ أ] نظيفة وكتب إلى الآفاق كتبا كانت تزيد على مائة يذكر بيعة المتوكل وهي في معنى واحد ليس فيها لفظة تشبه الأخرى، وكتبها وهو قائم على قدمه.
وبايع المتوكل في ذلك اليوم سبعة من أولاد الخلفاء وهم: محمد بن الواثق وأحمد