هو أبو إسحاق، محمد بن هارون الرشيد، ولد بالرافقة «٢٣٥» في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائة، واسم أمه ماردة وقيل ماريّة من مولدات الكوفة. وهو أول من أضاف اسم الخلافة إلى اسم الله عز وجل.
بويع بالخلافة يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، وبعد ذلك بأيام اجتمع جماعة الجند وشغّبوا وتحدّثوا في بيعة العباس بن المأمون وأظهروا خلاف المعتصم ومضوا بأسرهم إلى مضارب العباس فخرج إليهم وقال لهم: أيّ شيء تريدون منى؟ قالوا: نبايعك بالخلافة، قال: أنا قد بايعت عمى ورضيت به وهو كبيرى وعندي بمنزلة المأمون فانصرفوا خائبين «٢٣٦» .
ورحل المعتصم [٤١ ب] من بلاد الروم ودخل بغداد في شهر رمضان من هذه السنة وأحمد بن أبى دؤاد معه يسايره، وأقرّه على ما كان عليه في زمان المأمون من قضاء القضاة. وجلس على السرير الّذي في صدر الإيوان الكبير الّذي من دار الخلافة وكانت فيه صورة العنقاء وكان السرير من ذهب مرصّع بأنواع الجواهر، كان من جهاز بوران بنت الحسن بن سهل. ووضع على رأسه تاجا فيه الدر اليتيم، وهو أول خليفة تتوّج وما رأى الناس أحسن من ذلك اليوم، واستأذن إسحاق بن إبراهيم الموصلي في الإنشاد فأذن له فأنشد قصيدة أولها:
يا دار غيّرك البلى فمحاك ... يا ليت شعرى ما الّذي أبلاك
فتطيّر المعتصم وجعل الناس يتغامزون ويتعجّبون كيف خفي ذلك على إسحاق مع فضله ونبله وما كان يومأ إليه به فإنه لم يكن في زمانه فقيه ولا شاعر ولا مقرئ ولا راو للأحاديث ولا نسّابة ولا نحوىّ ولا لغويّ يدانى إسحاق في ذلك الفن الّذي تفرّد به، وكان الغناء أقل فضائله ومع ذلك فإنه فاق فيه على كل من بعده «١٢٣٦» .
وكان إسحاق بن إبراهيم يقول: أنا أول من بيّن عهد الواثق للناس فإن المعتصم بقي مدة في الخلافة لم يعهد إلى أحد من أولاده وكنت قد حلفت أننى لا أغنى إلا لخليفة