للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو لولىّ عهد، فاستدعاني يوما هارون بن المعتصم، وهو الواثق، فلما حضرت عنده قال لي: أحب أن تغنّينى فامتنعت فنفذ إلى المعتصم وشكاني فأحضرنى المعتصم [٤٢ أ] وقال لي: ويلك يا إسحاق بلغ من أمرك أنك تتكبّر على هارون؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إني حلفت أنى لا أغنى إلا لخليفة أو لولىّ عهد. فقال: امض وغنّ له فلا شيء عليك. فعلم الناس أنه قد ولّاه العهد.

وفي سنة عشرين ومائتين جرى على الإمام أحمد بن حنبل «٢٣٧» - قدس الله روحه ونوّر ضريحه- ما جرى من الإخراق والحبس. وإنما حثّ المعتصم على ذلك وحمله على ما فعل به أحمد بن أبى دؤاد لأنه كان معتزليّا وكان الإمام أحمد- رضوان الله عليه- إمام السنّة. وحين أحضره المعتصم بين يديه سلّم وتكلّم بكلام أعجب الناس، ثم قال في أثناء كلامه: يا أمير المؤمنين إن لآبائى سبقا في هذه الدعوة فليسعني ما وسع أصحاب رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- من السكوت والرضى من جميعهم بأن القرآن كلام الله. فقال له ابن أبى دؤاد: أتقول إن الله خالق كل شيء أم لا؟ فقال الإمام أحمد- رضوان الله عليه-: بلى الله خالق كل شيء قال له: القرآن شيء أم لا شيء؟

قال الإمام أحمد: القرآن أمر الله وقد فرّق الله تعالى بين خلقه وأمره فقال- عزّ وجل-:

«لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ... » ٧: ٥٤ فالتفت المعتصم إلى ابن أبى دؤاد وقال: ذكرتم أن الرجل عامي وأراه يذكر بيتا قديما وشهد له كل من حضر بأنه من سراة بنى شيبان، ثم قال:

وذكرتم لي أنه جاهل وما أراه إلا معربا فصيحا، وأكرمه وأنعم عليه. وكان الإمام أحمد بن حنبل- رضوان الله عليه- إلى أن مات يثنى على المعتصم ويذكر فعله به ويترحّم عليه.

وقيل: لما مات الإمام أحمد [٤٢ ب]- رضى الله عنه- صلّى عليه ألف ألف وستمائة ألف رجل وأسلم وراء نعشه أربعة آلاف ذمي من هول ما رأوا.

وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين كان المعتصم بسامراء بعد بنائه القصر المعروف بالجوسق «٢٣٨» جالسا فيه فجاء كتاب على البريد من ثغر الروم يذكر أن ملك الروم تطرق إلى نواحي الإسلام ومدّ يده إلى بعض القرى وأنه أسر منها جماعة وأنه كان

<<  <   >  >>