في جملة الجماعة امرأة هاشمية. وأنها صاحت:«وا معتصماه» فحين قرأ الكتاب نهض من ساعته وعبر إلى الجانب الغربي وأمر العسكر فخرجوا وسار ليلته والعساكر تتلاحق به وكان في مقدمته إيتاخ في أربعين ألف فارس أمره أن لا يركب أحد من عسكره إلا أبلق لأن ملك الروم لما سمع قول الهاشمية «وا معتصماه» أمر بتقييدها وقال: نفذى إلى المعتصم حتى يركب الأبلق ويخلصك من يدي. وحين وصل إلى أنقرة خرّبها وأحرقها، واجتاز بين أنقرة وعمّورية بدير وعلى سطح الدير راهب قد أتت عليه السنون، فكلّمه وهو لا يعرفه فقال له: يا راهب كم أتى عليك من العمر؟ قال:
رأيت المسيح بن مريم، فقال له المعتصم: هل وجدت في كتب الملاحم التي تكون عندكم أن مدينة عمّورية يفتحها أحد من المسلمين؟ قال: حيث كتبت الملاحم ما كان أحد من المسلمين وإنما رأيت في كتب الملاحم أنه لا يفتحها إلا أولاد الزنا.
فقال المعتصم: الله أكبر، عسكري كلهم الأغلب عليهم الأتراك والأتراك كلهم أولاد الزنا فإنه ليس بينهم شريعة ولا [٤٣ أ] سياسة «٢٣٩» ، ثم سار متوجها إليها ونزل بها أياما قلائل وأحرقها وهدم سورها وجاء بأبوابها إلى بلاد الإسلام ونصب منها مصراعين على الرقة ومصراعين على باب من أبواب دار الخلافة ببغداد وهما إلى الآن موجودان «٢٤٠» . وحين دخل إليها قصد في الحال البيعة الكبيرة وكسّر الأصنام وصلّى بالناس التراويح هناك، وكان دخوله إليها في رمضان، وأخذ ملك الروم أسيرا وطلب منه الهاشمية وأمر بإحضارها على الحالة التي كانت عليها فأحضرت تحجل في قيودها، فحين وقعت عينه عليها قام على قدمه وقال: لبّيك، لبّيك يا بنت العم أجبت دعوتك في أربعين ألف أبلق.
وكان المعتصم أميّا لا يحسن الخط والكتابة، وفي خلافته تعلّم أن يكتب العلامة على التوقيعات فكانت تلك العلامة أحسن من خط كل خليفة تقدّمه. وكان السبب في أنه ما كان يحسن الكتابة أنه كان في المكتب مع إخوته ومعهم جماعة من الخدم الصغار فتوفى أحد الخدم الذين كانوا معهم في المكتب فقال المعتصم: استراح والله