للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الكتّاب، فسمع الرشيد بذلك فقال: وكأن أبا إسحاق يشقّ عليه الكون في المكتب إلى حد يفضل عليه الموت، أخرجوه من المكتب «٢٤١» فلي أولاد عدة فإن كان فيهم واحد لا يحسن الخط جاز.

وحكى محمد بن عبد الملك الزيات «٢٤٢» قال: لقد رأيت عجبا لما بايع أهل بغداد لإبراهيم بن المهدي وبايعه جماعة بنى العباس بايعه أبو إسحاق المعتصم في [٤٣ ب] جملة القوم وقبّل ركابه فأمر له بعشرة آلاف درهم، ثم لما عاد المعتصم من بلاد الروم واستقر بدار الخلافة بايعه بنو هاشم وجماعة من أهل الحل والعقد فركب يوما فجاء إبراهيم وقبّل ركابه في ذلك الموضع الّذي قبل هو فيه ركاب إبراهيم. فقال المعتصم:

حمّروها له فأعطى عشرة آلاف دينار.

وحكى محمد بن عبد الملك الزيات قال: كنت أيام حداثتي مع أبى في معصرة الزيت فجرى بيني وبين أبى كلام في شيء فقال: اخرج من بيتي واطلب رزقا لنفسك فأخذتني الحميّة وكنت أقول الشعر فقصدت الحسن بن سهل وامتدحته فأمر لي بعشرة آلاف درهم فأخذتها وصرفتها في مصالحي واشتغلت بالأدب وبرعت في صناعة الكتابة وترقّت بى المراتب إلى الوزارة «٢٤٣» .

وكان «٢٤٤» القاضي أحمد بن أبى دؤاد ولد حائك ترقّت به المراتب إلى أن صار قاضى قضاة العالم وصار يتحكم في الدول ويولّى الوزراء وولاة الأمصار ويعزلهم.

ولقد خرج المعتصم باللَّه يوما ليتنزه وكنّا نسايره، أنا على يمينه وأحمد بن أبى دؤاد على شماله، فتبسم المعتصم وقال: رحم الله الرشيد، [رحم الله الرشيد] هكذا يكررها دفعات، فقلنا له: يا أمير المؤمنين يرحمه الله ويطيل عمرك، هل تذكّرت من أحواله شيئا؟ قال: إي والله، أخذنى يوما في حجره وكنت صغيرا وقبّلنى، وكان يحبني حبا شديدا، وضرب بيده على كتفي وقال لي: أنت يا أبا إسحاق تكون أمير السفل، فلما رأيتك الآن [٤٤ أ] على يميني وأنت ابن زيات ورأيت القاضي على شمالي وهو ابن نسّاج ذكرت قوله فترحّمت عليه «٢٤٥» .

<<  <   >  >>