وفي سنة سبع وعشرين ومائتين استشعر المعتصم من ابن أخيه وهو العباس ابن المأمون فأمر فلفّ في دواج سمّور وشد طرفاه فاختنق فيه «٢٤٦» .
حكى محمد بن عبد الملك الزيات بعد وفاة المعتصم قال: ما رأيت أشهم من المعتصم ولا أشجع منه ولا أقوى قلبا وعهدي به يوم حريق عمّورية وهو أول من قفز إلى النار كأنه عقاب كاسر. وكان يمدّ يده إلى الأترج الأخضر في رءوس الشجر وهو مجتاز مستعجل فيأخذ من كل أترجّة نصفها في يده من غير أن يكسر الغصن ولا يميله.
وكان يضع السيوف المسللة في الميدان على الأرض ويجرى بالفرس فكلما قرب من واحد منها مال إليه وأخذه بذبابه بين أصابعه ثم رماه من يده حتى إذا قرب من الآخر فعل به مثل ذلك الفعل. وكان يعالج الحجر فيه أربعمائة رطل بالكبير. وكان يكون أبدا في يده عمود حديد عوض المقرعة فيه ثلاثون رطلا بالشامي. وكان في بكرة كل يوم إذا وقف يتعمّم يلقمه خادم السنبوسك «٢٤٧» فعدوا عليه إلى أن فرغ من التعميم مائة وخمسين سنبوسكة.
وحكى محمد بن عبد الملك الزيات قال: أذكر يوما والمأمون جالس على سرير الخلافة وأبو إسحاق أخوه واقف بين يدي السرير إذا انفلت سبع من السباعين وقطع السلاسل ودخل الدار وكان الناس وقوفا بين يدي المأمون سماطين فهربوا [٤٤ ب] كلهم ولم يثبت أحد ونهض المأمون من السرير ليهرب مع القوم فتعلّق ذيله في قائمة السرير فبقي معلّقا وقصده الأسد فبادر المعتصم وتلقى الأسد بنفسه وليس معه سلاح فلكمه في وجهه فخسف جبهته ووقع الأسد في صحن الدار وركبه المعتصم وأخذ يركله برجله إلى أن استرخى وضعف ثم قام من فوقه وأخذ يدوسه حتى قتله، إلا أن يد المعتصم التي لكم بها جبهة الأسد انفركت عن ساعده قليلا إلى أحد الجوانب فأمر المأمون بإحضار طبيب يعالجها على عجلة لتعود إلى مكانها بسرعة. فلما حضر الطبيب ورآها قال: أيها الأمير تأمر جماعة يمسكونك فإنّي أحتاج إلى جذب يدك عن تلك الجهة التي مالت إليها وربما آلمك ذلك ولم تثبت له فتضطرب فلا يتم لي ما أريد من معالجتك. فقال: وليس إلا هذا؟ قال: نعم وبعد ذلك أضمدها بضماد يقوّى المفصل.