فعمد المعتصم إلى أسطوانة صخر كانت في الدار فلكمها بيده في غير الجهة التي لكم بها الأسد فعادت يده إلى مكانها «٢٤٨» .
وكان المعتصم هو الثامن «٢٤٩» من ولد العباس، لأنه محمد بن هارون الرشيد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس، وكان الثامن من الخلفاء لأن أولهم السفاح ثم المنصور ثم المهدي ثم الهادي ثم الرشيد ثم الأمين ثم المأمون ثم المعتصم، وملك ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام.
وحكى المنجّمون أنه توفى في اليوم التاسع على ثماني ساعات من النهار. وخلّف [٤٥ أ] ثمانية بنين وثماني بنات، وخلّف في بيت المال ثمانية آلاف ألف دينار وثماني مائة ألف ألف درهم. وكانت فتوحاته ثمانية:
ولما دخلت سنة ثمان وعشرين ومائتين، مرض واشتدت علّته. قال زنام الزامر «٢٥٠» : قال لي المعتصم، وهو مريض، تركب معى في السفينة حتى نتنزّه ساعة؟
فقلت: الأمر لك يا سيدي، فركبت معه وكان كلما اجتاز على الأبنية التي بناها بسامرّاء بكى، ثم قال لي: يا زنام ازمر لي هذا الصوت:
يا منزلا لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى
لم أبك أطلالك حاشاك بل ... بكيت عيشي فيك إذ ولّى
فجعلت أزمر وهو يبكى ويقول: ذهبت الحيل، أأوخذ أنا وحدي من بين هذا الخلق «٢٥١» ؟
وكان سبب بناء «٢٥٢» المعتصم مدينة سامراء أنه كان عسكره المقيمون بالحضرة لا يفارقونه سبع مائة ألف فارس وضاقت بهم بغداد وتنزّلوا على الناس في دورهم حتى هلك عدة أطفال تحت أرجل الخيل من شدة الزحمة في الأسواق. فخطب المعتصم يوما على منبر الرصافة فقام إليه شيخ وقال: مالك يا أبا إسحاق لا جزاك الله عن الجوار خيرا أيتمت أولادنا ورملت نساءنا بإسكانك هؤلاء العلوج بين أظهرنا، والله لنقاتلنك بما لا قبل لك به، فلم يتغيّر ومضى في خطبته. ولمّا نزل وصلى طلب الرجل وظن أنه هرب وإذا به واقف بإزائه فالتفت إليه غير مغضب وقال له: يا شيخ صدقت