هو أبو القاسم، عبد الله بن ذخيرة الدين أبى العباس محمد بن القائم بأمر الله.
ولما مات جدّه القائم بأمر الله جلس أكابر الدولة والدين للعزاء بباب الفردوس «٥٩٩» وحضر الفقهاء والقرّاء والأجناد على طبقاتهم وصلّى عليه المقتدى، وصلّى بهم صلاة العصر من وراء السبنية ودفن في الدار وفي صبيحة اليوم الثاني والثالث جلسوا للعزاء. وفي اليوم الثالث وقعت البيعة للمقتدى بأمر الله وكتبت الكتب ببيعته إلى الآفاق. وأمه حبشيّة تعرف بالأرجوانية «٦٠٠» وكانت تقيّة زاهدة صوّامة كثيرة المروءة والصدقة محبّة لأهل الستر والصلاح.
وكان المقتدى بأمر الله شهما شجاعا ذا بصيرة وجدّ، وكان يرجع إلى فضل وافر وعقل كامل. وكان نفذ إلى ديار بكر لطلب فخر الدولة أبى نصر محمد بن محمد ابن جهير وزير بنى مروان فلما حضر استوزره «٦٠١» ولم يكن كما سمع عنه ولا كان فيه فضل ولا كفاية وإنما ستر نقصه بكثرة المال فإنه فرق في مدة قريبة سبع مائة ألف دينار وخدم الخليفة ببعضها والباقي انصرف إلى حواشي داره وخدمه ثم إلى العسكر الواردة إلى حضرته ثم إلى الشعراء والقضاة والطارقين من أهل العلم وغيرهم «٦٠٢» .
وحكى جماعة شاهدوا طبقة في داره التي أمر ببنائها بحرم [دار][١٠١ ب] الخلافة فكان على طبقة كل يوم مائة صحن في كل صحن عشرة أرطال لحم وكان راتبه كل يوم ألف رطل لحم هذا سوى الشوايا والدجاج والحلواء والفاكهة. وكان يفصّل في يوم النيروز مائة وعشرين جبّة ويلفّق «٦٠٣» مائة وعشرين عمامة ثم يلبس في كل ثلاثة أيام جبّة وعمامة ويخلعها، ولم يعهد أنه وقع على جسده قميص أو رفيقه يومين بل يجدّد ذلك كل يوم، وأكثر هذه النعمة إنما أظهرها ببغداد بعد انفصاله عن ديار بكر. ثم عزله الخليفة، واستوزر مكانه أبا شجاع، محمد «٦٠٤» بن الحسين الروذراوريّ، وكان كاتبا بليغا، وله الشّعر الحسن والرسائل البديعة ونثره أجود من نظمه وخطّه أجود منهما. وكان له معرفة بعلم الأدب والحساب والفقه، وكان راوية للأخبار متألّها متديّنا لا يظلم