[٦٢ أ] هو أبو العباس، أحمد بن جعفر المتوكل وأمه أم ولد يقال لها «فتيان»«٣٥٥» .
بويع له في اليوم الّذي مات فيه المهتدي، في رجب سنة ست وخمسين [ومائتين] .
وزر له عبيد الله بن يحيى بن خاقان «٣٥٦» بعد أن امتنع فألزم ودبّر الأمور وأحسن التدبير وتوسّع في الإنفاق من ماله حتى مات وعليه ست مائة ألف دينار وذلك لخلو الخزائن من المال. ولم يكن للمعتمد من الخلافة سوى الاسم والتدبير إلى وصيف وبغا. والشاعر فيهما يقول:
وملك مستعبد ... بين وصيف وبغا
يقول ما قالا له ... كما تقول الببغا «٣٥٧»
وتغلّب آخر الأمر على الدولة أبو أحمد الموفق أخو المعتمد، وساس الأمور أحسن سياسة وأصلح العالم بعد ما فسد وله الحق العظيم على الإسلام بما رابط الزنج أربع عشرة سنة، فإن صاحب الزنج خرج وأخذ البصرة وبنى عشر مدن حواليها ولولا الموفق لذهب ملك بنى العباس وملك الناس الزنج إلى يومنا هذا وكان له من النجدة والشهامة وكبر الهمة ما فاق به أهل بيته من إخوته وعمومته وكان يسمّى السفاح الثاني «٣٥٨» لأن السفاح كان ابتداء الدولة وهذا أيضا ابتداء الدولة وقد أشرفت على الزوال. وكان ابنه المعتضد يسمّى المنصور الثاني لشجاعته ودهائه وخبرته بالأمور، وسيجيء ذكره. وولّى وزارته أبا الصقر إسماعيل بن بلبل الشيباني «٣٥٩» ، ولم يبق للمعتمد على الله تصرف في أمر من الأمور وإنما كان مستهترا بالشرب لا يبرح من الجوسق [٦٢ ب] بسامراء ولا يخرج منه إلا إلى متصيّد أو متنزّه حتى إنه بعد في الصيد إلى نواحي الشام وكان الموفق يرابط الزنج بالبصرة فسمع بذلك فوقع على البريد إلى إسحاق بن كنداجيق «٣٦٠» والى الشام أن يمنعه من العبور عليه ونفذ إلى العسكر الذين معه يأمرهم أن يعيدوه فأعادوه صاغرا إلى سامراء «٣٦١» . وحين قتل صاحب الزنج تلقّب بالناصر لدين الله، وكان بلى بشيء لو بلى به المنصور أو المأمون