لبعل به «٣٦٢» . فمن جملة ما بلى به ما كان أخوه منهمكا فيه من العشرة وترك النظر في أمور المسلمين وكان يحتاج أن يتولّى ذلك بنفسه. ومن جملة ذلك: خروج صاحب الزنج «٣٦٣» واستيلاؤه على قطعة كبيرة من بلاد الإسلام، فلما أراحه الله منه وأظفره به، خرج عمرو بن الليث «٣٦٤» بفارس وكرمان واحتاج إلى قصده بنفسه وانتزاعها من يده، ثم بعد ذلك عصى أحمد بن طولون عليه بمصر، هذا كله مع ذهاب الأموال وفراغ الخزائن وتضاعف النفقات فحسم هذه المواد وقهر هؤلاء كلهم ودانت له الدنيا وأصلحها بعد فسادها.
وفي سنة إحدى وستين ومائتين ولى المعتمد على الله ابنه العهد ولقّبه «المفوض إلى الله»«٣٦٥» . وفي سنة ثمان وسبعين اشتدت علّة الموفق وكان ابنه أحمد محبوسا فأخرجه القواد من الحبس فدخل عليه فحين رآه أدناه وقبّله وأومأ إليهم أن يكون هو بعده «٣٦٦» أمين الدنيا، ثم أراد أن يكلّمه فقال: أحمد، ومات وذلك في ليلة الخميس لثمان ليال بقين من صفر من هذه السنة ودفن [٦٣ أ] بالرصافة وقام ابنه أحمد مقامه.
وحكى «٣٦٧» أحمد بن الموفق قال: رأيت في منامي وأنا محبوس أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب- عليه السلام- يقول لي: أمر الخلافة يصل إليك فاعتضد باللَّه وأكرم أولادي. قال: فانتبهت ودعوت الخادم الّذي كان بخدمتي في الحبس وأعطيته فص خاتم كان في يدي لا نقش عليه وقلت له: امض إلى الحكّاك وقل له ينقش عليه:
المعتضد باللَّه أمير المؤمنين فقال لي: يا سيدي هذه مخاطرة بالنفس مع أبيك وعمك، أين نحن من الخلافة وأين الخلافة منّا وإنما غاية مأمولنا أن نتخلص من هذا الحبس ونشم الهواء وتسلم لنا نفوسنا. فقلت له: لا تهذ وامض وافعل ما آمرك به فإن أمير المؤمنين عليّا ولّاني الخلافة وهو لقّبنى المعتضد باللَّه. فمضى وعاد إليّ بعد ساعة والفصّ معه وعليه مكتوب «المعتضد باللَّه أمير المؤمنين» بأوضح خط وأبينه، فقلت له: اطلب لي دواة وكاغدا فجاءني بهما فجعلت أقسّم الدنيا. وأرتب الأعمال وأولّي العمال والولاة وأصحاب الدواوين، فبينا أنا في ذلك جاء القوم وأخرجونى.