وهو أبو العباس، أحمد [بن محمد] بن المعتصم. وحين مات المنتصر باللَّه آخر نهار يوم السبت اجتمع الأتراك وهم: بغا الشرابي المعروف ببغا الكبير وبغا الصغير وأوتامش «٣٠٥» وحلّفوا الأتراك والمغاربة وجماعة الجند على أن يرضوا بمن رضوا به فحلفوا وقالوا: ليس من الصواب أن نولّى أحدا من ولد المتوكل لئلا يطلب بثأر أبيه.
فاجتمعوا على أحمد بن محمد [بن] المعتصم وقالوا: هو ابن مولانا، لأن هؤلاء كلهم كانوا غلمان المعتصم، وقالوا: قد كان هو أولى بالأمر من المتوكل لولا ابن أبى دؤاد قدّم المتوكل عليه. فقال لهم بغا الكبير: صدقتم في أنه ابن مولانا إلا أنه ليست له هيبة ويجب أن نولّى علينا من [٥٤ أ] نهابه لنبقى معه وإن ولّينا علينا من يخافنا حسد بعضنا بعضا فهلكنا. فقالوا له: إن جئنا بمن نهابه قتلنا وأفنانا ورآنا بصورة من قتلنا خليفة قبله واستشعر منّا فأهلكنا واستبدل بنا غيرنا والصواب أن نولّى من يهابنا ولا يقدم علينا ثم نحن إذا نتناصف فيما بيننا. وأجمعوا على اختيار أحمد بن محمد بن المعتصم فبايعوه في يوم الاثنين، سابع ربيع الآخر ولقّبوه المستعين باللَّه وسنّة ثمان وعشرون سنة «٣٠٦» .
وفي يوم الثلاثاء لبس السواد وتعمّم على الرصافية وقعد على السرير وأدخل إليه الخلق فبايعوه. ودخل البحتري فأنشده:
ما الغيث يهمى صوب أسباله ... والليث يحمى خيس أشباله
كالمستعين المستعان الّذي ... تمّت لنا النعمى بأفضاله
تلو رسول الله في هديه ... وابن النجوم الزهر من آله
من يحسن الدهر بإحسانه ... وتجمل الدنيا بأجماله «٣٠٧»
وكتبوا ببيعته إلى الآفاق. وأمه أم ولد اسمها «مخارق» . ثم أمر بأن يحمل الفرش الّذي كان للمتوكل في الجعفري، فكان ذلك الفرش على ثلاث مائة جمل.
وقلد أوتامش «٣٠٨» مصر والمغرب. ومات طاهر بن عبد الله بن طاهر فقلد المستعين