للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمير المؤمنين المعتز باللَّه

هو أبو عبد الله، الزبير بن المتوكل وأمه أم ولد روميّة تسمى قبيحة. بويع له يوم الخميس لأربع خلون من المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين، وجلس جلوسا عاما للناس وما رئي في زمانه أصبح وجها منه ولا من أمه قبيحة. وكان أمرد حين ولى الخلافة وفي ذلك اليوم دخل عليه البحتري وأنشده قصيدته «٣٢٦» التي أولها:

يجانبنا في الحب من لا نجانبه ... ويبعد عنّا في الهوى من نقاربه

ومنها:

عجبت لهذا الدهر أعيت صروفه ... وما الدهر إلا صرفه وعجائبه

وكيف رددنا المستعار مذمما ... إلى أهله واستأنف الحق صاحبه [٥٧ أ]

وكيف رأيت الحق قرّ قراره ... وكيف رأيت الظلم آلت عواقبه

ولم يكن المغترّ باللَّه إذ سرى ... ليعجز والمعتز باللَّه طالبه

بكى المنبر الشرقي إذ خار فوقه ... على الناس ثور قد تدلّت غباغبه

رمى بالقضيب عنوة وهو صاغر ... وعرى من برد النبيّ مناكبه

ومنها في مدح المعتز:

تدارك دين الله من بعد ما عفت ... معالمه فينا وغارت كواكبه

وضم شعاع الملك حتى تجمّعت ... مشارقه موفورة ومغاربه

مدبر دنيا أمسكت يقظاته ... بآفاقها القصوى وما طرّ شاربه

فكيف إذا ثابت إليه أناته ... وراضت صعاب الحادثات تجاربه

إذا حصّلت عليا قريش تناظرت ... مآثره في فخرها ومناقبه

وبعد أيام جلس المعتز باللَّه للمنادمة وخلع على جميع الأولياء ولبس التاج المرصع بالجواهر النفيسة وكان يوما مشهودا.

قال البحتري: فكنت أصعّد بصرى وأصوّبه في صباحته وأتعجّب من صنع الله تعالى في إبداع صورته ففطن بى والتفت إليّ وقال لي: يا بحترى في أيّ شيء تتأمّل

<<  <   >  >>