للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منى؟ قلت له: يا مولاي التاج يزين الوجوه كلها إلا وجهك فإنه يزين التاج ولو وضعته لكنت أجمل، فوضعه من رأسه فرأيت من سواد شعره على بياض جبهته ما أدهشنى.

فقال لي: يا بحترى أتستحسن صورتي؟ قلت: نعم قال: أفتشتهي أن تقبّلنى؟ قلت:

نعم أقبّل رجلك قال: لا ولكن خذ يدي ومدّها إليّ فقبّلتها. فلما شربنا وانتشينا أخذنى إلى [٥٧ ب] زاوية وقال: يا بحترى بحياتي عليك وبتربة جعفر المتوكل إلا ما قبّلت وجهي فامتثلت أمره وقبّلته وقال لي: هذا لك عليّ رسم مستمرّ كلما سكرنا. وكان بعد ذلك يقول: يا بحترى قد اجتمعت لك عليّ ديون متى تقبضها «٣٢٧» ؟

وقال البحتري: دخلت يوما عليه والتاج على رأسه فأنشدته:

برّح بى الطيف الّذي يسرى ... وزادني سكرا على سكرى

ونشوة الحب إذا أفرطت ... بالصب جازت نشوة الخمر

للَّه ما تجنى صروف النوى ... على حديث العهد بالهجر

مهزوزة القدّ إذا ما انثنت ... في مشيها مهضومة الخصر

يلومني في حبّها من يرى ... أن لجاج اللوم لا يغرى

لم أر كالمعتز في حلمه ... الوافي وفي نائله الغمر

يستصغر البحر إذا استمطرت ... له يد تربى على البحر

علاه أقصى في محل العلى ... وفخره في منتهى الفخر

خليفة تخلف أخلاقه ... القطر إذا غاب حيا القطر

حيا الندى من كفه يبتدى ... وماؤه في وجهه يجرى

كأنما التاج إذا ما علا ... جبينه بالدرر الزّهر

كواكب أفلاكه أفقها ... جاءت فحفت غرّة البدر «٣٢٨»

فحين أنهيت القصيدة أمر لي بمائة ألف درهم وقال: لا تعلم بها الشعراء فإنّي قد أمرت لهم بخمس مائة ألف درهم فإذا علموا بما أعطيتك لم يفرزوا نصيبك فخذ هذه وامض وخذ نصيبك معهم.

<<  <   >  >>