وحكى «٣٢٩» البحتري، قال:[٥٨ أ] كنّا يوما مع المعتز باللَّه في الصيد فعطش فطلب ماء وكان جنبه يونس بن بغا، وكان ثانى المعتز في الحسن، وكان المعتز مستهترا به، شديد العشق له. فقال له: يا أمير المؤمنين إن قريبا منّا ديرا فيه راهب أعرفه ويعرفني فإن رأيت أن تنفرد من العسكر ونقصده فإن الدير لا يخلو من ماء بارد ثم نستريح عنده ساعة ثم نعود إلى شغلنا. قال: أفعل. قال يونس بن بغا: فقصدنا الدير وإذا بالراهب جالس على باب الدير فطلبت منه ماء فجاء به ثم سألني عن المعتز باللَّه فقلت له: هو من أولاد الجند وأنا كذلك. فقال للراهب: بل أنتما والله من أزواج الحور العين. فقلت له: يا راهب ليس هذا من دينك فقال: الآن هذا من ديني فضحك المعتز باللَّه. ثم قال الراهب: أتأكلان شيئا؟ فقال له المعتز: نعم، فقال:
انزلا. فنزلنا عن الخيل وقعدنا على دكّة على باب الدير وجاءنا بطعام من أطعمة الرهبان فأكلنا. فقال المعتز ليونس: قل له لمن تشتهي أن تجامع منّا؟ فقال له يونس ذلك.
فقال الراهب: كلاكما وتمرا «٣٣٠» ، فضحك المعتز حتى استلقى على الحائط. فقال له يونس: لا بدّ أن تختار واحدا. فقال الراهب: الاختيار والله في هذا دمار، والله ما بقي لي عقل يميّز بينكما. وما كان لحظة حتى سالت تلك الشعاب بالمراكب قاصدين صوب الدير لأنهم رأوا المعتز ويونس قد أخذا في ذلك الصوب. فحين رأى الراهب ذلك ارتاع قليلا فقال له المعتز: بحياتي لا تنقطع عما كنّا فيه فإنّي لهم ثمّ مولى، ولمن ها هنا صديق «٣٣١» . وأمر له بخمس مائة [٥٨ ب] ألف درهم فحلف لا يقبلها أو يجيبه في مسألة يسأله إياها فقال: سل ما شئت، قال: تكون في دعوتي أنت وجميع عسكرك في اليوم الفلاني قال: ذلك لك. فلما كان في ذلك اليوم مضى إلى دعوته فأخرج عليه الخمس مائة ألف درهم.
وكان للمعتز شعر لا بأس به، فمن ذلك أنه كان يشرب «٣٣٢» يوما على بستان مملوء بالنمّام وبين النّمام شقائق النعمان، فدخل يونس بن بغا وعليه قباء أخضر وهو سكران وقد احمرّت وجنتاه، فقال المعتز: