وقلت له: يا سيدي ما الّذي كان في رقعتك إلى هذا التركي وو الله ما أنت إلا ساحر فإنّي قد تشفّعت إليه بكل كبير من أركان الدولة وما نفعني ذلك شيئا. فقال [٦٤ ب] لي: أليس قد وصل إليك حقك؟ قلت: بلى! قال: فما لك ولهذا؟ قلت: والله ما أفارقك أو تخبرني. قال: أنا رجل مؤذّن وأصلى بالناس في هذا المسجد فخرجت ليلة على عادتي لغلق الباب فرأيت غلاما تركيّا سكران وهو يجاذب امرأة ويجرّها وهي تستغيث وهو لا يتركها فتقدّمت إليه وتشفّعت إليه في أمرها فلم يقبل منى واجتمع أهل المحلة واجتهدوا بكل حيلة أن يخلصوها من يده فلم يقدروا على ذلك وأخذها وأدخلها إلى بيته فصعدت المنارة وأذّنت وهذا المسجد كما تراه ملاصق لدار الخلافة فسمع المعتضد باللَّه أذانى ولم يكن وقت الأذان وكان بعد جالسا ما نام. فبينا أنا بعد على رأس المنارة وإذا بخادم يطلبني ويقول: أجب أمير المؤمنين فقلت: السمع والطّاعة فأخذني وحملني إلى الخليفة وهو جالس فقبّلت الأرض ووقفت. فقال لي:
ما هذا الأذان في غير وقته؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنما هذا شيء قصدته تعمّدا لتسمعه وعلمت من همتك العالية أنك لا تغفل السؤال عن مثله فإذا سألتني عنه أخبرتك بسببه. قال: هات ما عندك، فقصصت عليه القصة فأمر في الحال فأحضر التركي وأمر به فجعل في غرارة مملوءة نورة ودقّ بمداق حتى اختلطت عظامه بها ورمى به في دجلة. وقال لي: كلما شاهدت منكرا أخبرنى به والعلامة بيني وبينك الأذان في غير وقته. وقد تسامع الناس بذلك فكل من كانت له حاجة يقصدني فأؤذّن في غير وقت الأذان فيسمع المعتضد فيحضرني ويسألنى عن سبب [٦٥ أ] الأذان فأخبره بحال صاحب الحاجة فيأمر بقضاء حاجته. وحين قصدتني شاكيا من غريمك كتبت إليه رقعة أقول فيها:«تعطيه حقه أو أؤذّن؟» فأعطاك حقّك.
ومن جملة ما يحكى عن سياسة المعتضد باللَّه وعدله، أنه لما سافر إلى بلاد فارس اجتاز بقراح «٣٧٣» بطيخ وإذا جماعة من الغلمان الأتراك قد تناولوا منه عدة وصاحب القراح يستغيث وهم غير مكترثين به فحين وقعت أعينهم على المعتضد رموا ذلك من