للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيديهم وتهاربوا فوقف مكانه وأمر بهم فشدّت أيديهم وأرجلهم وضرب كل واحد منهم مائة مقرعة وهو يقول لهم: يا أولاد الزنا أنتم زرعتموه، أنتم سقيتموه، أنتم تؤدّون خراجه، أليس هذا ملك هذا الإنسان، أليس هو الّذي تعب فيه وحرثه وسقاه وأدّى خراجه؟ أما كان في نعمتي عليكم سعة فتشترون ذلك منه؟ حتى جئتم تأخذونه مجانا؟ وذلك الرجل واقف يضج بالدعاء له ويسأل في الغلمان وهو لا يجيب سؤاله ثم التفت وقال له: كم عليك من الخراج كل سنة؟ قال: كذا وكذا درهما، فأمر بأن يوقع له برفع الخراج عنه ثلاث سنين وقال له: اجعلني في حلّ مما صدر منهم فهو بالحقيقة منى وأنا المطالب به في الآخرة والمعاتب عليه في الدنيا. ثم سار حتى إذا وصل إلى المنزل أمر بالغلمان فصلبوا بعد أن أمر أن تلثّم وجوههم. ولما عاد من تلك السفرة إلى بغداد أمر بقتل طبيبة أحمد «٣٧٤» بن الطيب وكان زنديقا. فقال له:

يا أمير المؤمنين إذا لم يكن لك بد من قتلى فلا تقتلني بالسيف فقال له [٦٥ ب] المعتضد:

فيما ذا؟ قال: تأمر أن أطعم كبابا وأسقى شرابا فإذا سكرت فصدت من كلتى يدي إلى أن يستصفى دمي حتى لا أتألم بالموت. قال: لك ذلك، ثم أمر بما سأل فيه، فحين فصد من كلتى يديه أصابته الصفراء وقام كالمجنون من أول ذلك المجلس الّذي كان فيه إلى آخره يومه أجمع ولم يتألم أحد بالموت كتألمه وما نفعه طبّه.

وحكى «٣٧٥» ابن حمدون النديم «٣٧٦» قال: كان له أصحاب أخبار يرفعون إليه كل ما يجرى في الأسواق فرفع إليه بعض أصحاب الأخبار أن إسكافا قال لقطّان، وقد طالبه بدين كان له عليه وكان يمطله به، ما بقي للمسلمين من ينظر في أحوالهم «٣٧٧» .

قال ابن حمدون: وكنا في مجلس الأنس فحين قرأ الرقعة احمرّت وجنتاه وقامت عيناه في رأسه وقال: هاتم سوادي ومنطقتي وسلاحي فجاءوا به فلبس السواد وتمنطق وتقلّد سيفا وأخذ في يده حربة وأمر بالقواد فأدخلوا إلى المجلس الّذي كان يجلس فيه للسلام. وخرج فجلس على السرير وقال لبدر الحاجب الكبير: عليّ بفلان الإسكاف فما كان بأسرع من أن جاءوا به، فلما رأى المعتضد ارتعد وأبلس. فقال له المعتضد:

<<  <   >  >>