ويلك ما الّذي قلت اليوم لفلان القطّان؟ فلم يحره جوابا وأعاد عليه القول ثانيا فقال: يا مولانا ما قلت شيئا، قال: كذبت بل قلت له: ليس للمسلمين من ينظر في أمورهم. ثم قال المعتضد له: ويلك فإن كان الأمر كما قلت فأين أنا وأيّ شيء شغلي؟
فسقط الإسكاف على وجهه مغشيّا عليه [٦٦ أ] ونهض المعتضد ثم أمر أن ينتصف له من خصمه.
قال ابن حمدون: وكنا لما قام قد تبادرنا نحو المجلس الّذي خرج إليه ونحن ننظر ما يجرى من خصاصات الأبواب. فلما نهض بادرنا مسرعين وجلسنا في الموضع الّذي كنا فيه ومضى وخلع السواد والمنطقة وعاد إلينا فوقع علينا كلنا الضحك فقال: ممّ تضحكون؟ فقلنا بأسرنا: يا مولانا رجل دائص عامي «٣٧٨» يجرى بينه وبين عامي آخر كلام في السوق كان يمكنك حيث أردت حسم المادة في مثله أن تأمر أقل غلمان الحجاب بزجره وكان ذلك يكفى، فقمت بنفسك ولبست سوادك وشهرت سلاحك وخاطبته بنفسك وقد كان في بعض هذا بلاغ ومقنع. فقال: ليس الأمر كما تظنون فإن العوام إذا أمرجوا في مثل هذا القول تجسّروا على أمثاله وتناقلته الألسن واشتهر عنى في البلاد فحسم مادته أول الأمر أشبه بالحزم وإنما تولّيت خطابه بنفسي ليعلم الخاصة والعامة أن مثل هذا الأمر الحقير لا أهمله ولا أكله إلى وزير ولا إلى حاجب فيكون مراقبتهم لي وخوفهم منى في الأمور الكبار أشد وأعظم. قال: فحين سمعنا كلامه لم يبق فينا إلا من ضجّ بالدعاء له والرغبة إلى الله تعالى في إدامة دولته.
وحكى «٣٧٩» ابن حمدون قال: كنّا يوما عنده ونحن على مجلس المنادمة فوضع خادم له رقعة بين يديه فقرأها ثم أمر بالدواة فأحضرت وأخذ درجا وكتب فيه ونحن نرى ما يكتبه: «عامل كرج «٣٨٠» أهمل أمر عمله حتى دخل ديلميّان إلى مدينته في يوم كذا، اسم كل واحد منهما وحليته كذا [٦٦ ب] وقد نزلا في موضع كذا فساعة وقوفه على هذا التوقيع يقبض عليهما وينفذهما مقيّدين على خيل البريد والسلام» .
ثم قال للخادم: احمل هذا التوقيع إلى الديوان ومرهم بتنفيذه على البريد. قال: