فضجر منها وكان بين يديه قدح بلّور اسمه زب رباح «١٩٠» وكان يحبه ويحب الجارية حبا شديدا فضربها به فانكسر وأدمى ساقها وتنغّص عليه عيشه وما كان فيه وقال: يا عم هذا والله آخر مدتي ومنتهى أيامى. قال إبراهيم: فقلت: الله، الله، بل الله يكفيك كل محذور، وإذا بصوت من ذلك الجانب من دجلة يخاطب آخر ويقول له:«قضى الأمر الّذي فيه تستفتيان» فقال: يا عم أسمعت؟ قلت: لا يا سيدي ما سمعت شيئا.
ولما كان في عشية اليوم الثاني دخل خادم إليه وقال له: الأمير هرثمة قد جاء في الحراقة ووقف بإزاء القصر فقام وحوله جواريه وخدمه وأولاده يبكون وهو يبكى حتى خرج من باب القصر فعطش واستسقى ماء فلم يكن هناك ما يسقى فيه الماء فجاءوا بكوز مكسور الرأس فشرب منه ونزل إلى حراقة هرثمة وسلم نفسه إليه. وكان خبره وخبر تنفيذه إلى هرثمة قد نمّ إلى طاهر فأنفذ عدة حراقات مشحونة بالرجال وأوقفهم في طريقه ليأخذوه من هرثمة فحين بعدت حراقة هرثمة عن باب القصر قليلا عارضهم أصحاب طاهر وتمسكوا بالحراقة ليأخذوا الأمين وتجاذبوا وتناوشوا فغرقت حراقة هرثمة.
فحكى «١٩١» أحمد بن سلام، صاحب المظالم ببغداد، قال: كنت مع محمد الأمين في الحراقة فلما غرقنا وكان قد جننا الليل، سبحت وصعدت [٣٤ أ] بعد الجهد الجهيد وكان الزمان باردا فلما صرت على الساحل وإذا برجل خراسانى من أصحاب طاهر قد وضع حبلا في عنقي وهو يجرنى وأنا حافى وهو يركض بالفرس فأجهدنى وعنّاني.
فقلت له: أيها الإنسان مالك في قتلى من حاجة وأنا رجل من أبناء النعم وما تعوّدت المشي على هذه الصفة التي تعاملني بها فأردفنى خلفك واحملني إلى حيث تشاء فإذا كان من الغد افتديت نفسي منك بعشرة آلاف دينار. فلما سمع ذلك منى أردفنى وراءه وحملني إلى دار لا أعرفها وأقعدنى في بيت منها وأغلق الباب عليّ ومضى وبقيت أرتعد