لا أنزل على حكم عبد السوء العاض بظر أمه وما أبالى وقعت على الموت أو وقع الموت عليّ وخرج «١٨٧» من وقته إلى منظرة كانت له على دجلة وقال: ادعوا لي عمى إبراهيم ابن المهدي فدعوه له فقال له: يا عم قد عوّلت في بكرة غد أن أخرج وأسلّم نفسي إلى هرثمة، وكان من جملة قواد المأمون الواصلين في صحبة طاهر، وإنما يحملني على تسليم نفسي إليه لأني آمن على روحي إذا كنت عنده فهو يحملني إلى أخى فيرى رأيه في أمرى ولست آمن على روحي إذا حصلت عند الأعور. فقال له [٣٣ أ] عمه إبراهيم: فراسل هرثمة وأعلمه بأنك تخرج إليه ليكون مستعدا لخروجك. فنفذ إلى هرثمة يعلمه بذلك فأظهر له السرور بانضمامه إليه وأمّنه على نفسه وقال: أنا أقف في حراقتى على باب القصر مما يلي دجلة، فاخرج وانزل معى لأحملك معى إلى خيمتي.
ثم قال الأمين «١٨٨» : باللَّه يا عم ما ترى هذه الليلة وصفاء الجو فيها وحسن القمر على دجلة فلو وافقتني فشربنا ونمنا وإلى غد ألف فرج. فقال له إبراهيم: الرأى لك.
فأمر بإحضار الشراب وتناول رطلا ثم قال لإبراهيم: يا عم غنّنى لأشرب على غنائك فقال إبراهيم: ليس عودي معى. فقال: أحضر جارية تضرب عليك؟ فقال إبراهيم:
نعم. قال: فأحضر جارية اسمها ضعف فجاءت تحمل عودا فحين رأيتها تطيّرت من اسمها للحال التي كنّا عليها ثم أمرها فضربت وغنّيت ثم أمرها بالغناء فاندفعت تغني:
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فإن لا يكونوا قاتليه فإنه ... سواء علينا ممسكاه وضاربه «١٨٩»
فاغتاض الأمين وتطيّر وقال لها: غنّى غير هذا، فاندفعت تغنّي:
أبكى فراقهم عيني فارقها ... إن التفرّق للأحباب بكّاء
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عدّاء
فقال لها الأمين: يا مشئومة كيف وقعت إلى هذا؟ غنّنى غيره فاندفعت تغني:
أما ورب السكون والحرك ... إن المنايا سريعة الدّرك
ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في فلك [٣٣ ب]