فأذن لي في المسير وأمر لي بمائة ألف درهم خارجة عن مرسومى. ولما كان العام القابل نفذ إليّ فشخصت إليه وبقيت عنده شهرا ثم استأذنته في أن أدخل مع القضاة بالسواد وأصلّى يوم الجمعة معه في المقصورة فقال: يا أبا محمد ولا كل هذا ولكنى اشتريت هذا منك بمائة ألف درهم ولا تحسبها المائة ألف التي أصلك بها عند عودتك فهذه خارجة عنها، وأمر لي بمائتي ألف درهم. وقال يوم توديعه: يا إسحاق [٤٧ ب] قد قلت بيتين في فلان الخادم، وكان يحبه، وقد صنعت فيهما لحنا من خفيف الرمل وأريد أن تسمع الشعر واللحن فقلت له: الأمر لك، فأخذ العود وغنّى:
يا ذا الّذي بعذابي ظل مفتخرا ... هل أنت إلا مليك جار إذ قدرا
لولا الهوى لتجازينا على قدر ... وإن أفق منه يوما واحدا سترى «٢٦٦»
فسمعت والله ما لم أسمع مثله فصاحة وطيبا فقلت له: يا سيدي أنت والله تغنّى أطيب منى فماذا تصنع بى وودّعته وانحدرت إلى بغداد وكان آخر عهدي به.
ومات الواثق بعلة الاستسقاء في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة «٢٦٧» ، ودفن بقصره المعروف بالهارونى بسامراء، وصلّى عليه قاضى القضاة أحمد بن أبى دؤاد، وكانت خلافته خمس سنين وستة أيام.
وحكى محمد بن عبد الملك الزيات قال: كان في مرضه يهذى بالشعر لاستجابة خاطره له. فاتفق أن دخل عليه في مرضه الحسن بن وهب كاتب إنشائه وكان قد تأخر عنه أياما لأنه كان مستهترا بالشرب، فلما رآه أنشد:
خدمة الواثق والكاسات في أيدي الملاح ... ليس يلتامان فاختر خدمة أو كاس راح
وحين توفى، كان وزيره ابن الزيات وديوان الخراج إلى عمر بن فرج الرّخجى «٢٦٨» وديوان البريد إلى الفضل بن مروان. وابن أبى دؤاد [٤٨ أ] قاضى القضاة، والحسن بن وهب «٢٦٩» كاتب الإنشاء، وعارض الجيش أشناس المعتصمى، ووالى