وفي المحرّم [من] سنة خمس وثمانين وثلاث مائة توفى كافى الكفاة الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد بالريّ، ووصل الخبر إلى بغداد بوفاته ففرش أكثر الخلق الرماد في الأسواق وقعدوا عليه. وبلغ الخبر إلى بغداد أنه حين أخرج تابوته إلى المصلّى خرج خلفه أرباب المناصب وأصحاب المراكز وأهل العلم والأدب وأنهم حين شاهدوا التابوت قبّلوا الأرض بين يديه إجلالا له «٥٤٣» . وكان مخدومه الأمير فخر الدولة أبو الحسن عليّ «٥٤٤» بن ركن الدولة أبى الحسن بويه قد عاده في مرضه فالتفت إليه وقال له: أيها الأمير قد خدمتك خدمة استوعبت الوسع فيها وسرت سيرة حصلت لك حسن الذكر بها فإن أجريت الأمور بعدي على رسمها علم أن ذلك كان منك فينسب الجميل فيه [٩١ أ] إليك واستمرت الأحدوثة الطيبة بذلك لك وكنت أنا في جملة ما يثنى عليك به، وإن غيّرت ذلك بعدي كنت أنا المذكور بحسن السّيرة دونك وأنت بعد هذا أعلم بشأنك. ولما مات الصاحب المذكور لم يقبل فخر الدولة شيئا مما وصّاه الصاحب به.
وفي العاشر من رجب سنة سبع وثمانين وثلاث مائة توفى فخر الدولة بالريّ وخلف في الخزانة ثلاثة آلاف ألف دينار فأفناها ابنه مجد الدولة أبو طالب رستم «٥٤٥» في أسرع مدة وكان متخلّفا منهمكا في لذّاته غير مفكّر في أمر المملكة. وكان وصل الخبر إليه بأن ابنا لسبكتكين والى غزنة قد استولى على خراسان وأفنى آل سامان وقد تلقّب ب «يمين الدولة» وأن الرسل لا تنقطع بينه وبين القادر باللَّه وأنه ربما قصد المملكة، فما أكثرت مجد الدولة بهذا القول حتى جاء الملك يمين الدولة، أبو القاسم محمود بن ناصر الدين سبكتكين وأخذ الملك منه وأسره ونفذه مقيّدا إلى خراسان «٥٤٦» .
وكتب إلى القادر باللَّه بذلك فكتب له القادر العهد على خراسان والجبال والسند والهند وطبرستان ولقّبه «يمين الدولة وأمين الملّة، ناصر الحق، نظام الدين، نصير أمير المؤمنين» ، وقبل ذلك ما كان يعرف اللقب المنسوب إلى أمير المؤمنين إلا «مولى أمير المؤمنين» . فهو أوّل من غيّر ذلك.