يا قوم لا تطلبوا يوما خليفتكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود
«١٠٥» ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الناى والعود
فأمر المهدي أن ينحدروا وراءه ويقتلوه، فانحدر إليه مولى للمهدي فلحقه في بعض الطريق في سفينة منحدرا إلى البصرة فحنقه ورماه في الماء.
قال أبو عبيدة «١٠٦» : ما رأيت قط أكرم من المهدي ولا أسمح خلقا منه. كان يصلى بنا الصلاة الخمس حين قدم البصرة بالجامع، فأقيمت الصلاة فقال أعرابى:
يا أمير المؤمنين لست على طهر وقد رغبت إلى الله تعالى في الصلاة خلفك. فوقف ينتظره إلى أن أقبل. فعجب الناس من كرم طبعه وفرط تواضعه.
وسافر المهدي إلى الجبال في سنة ثمان وستين ومائة ووصل إلى ماسبذان واستطاب المكان فأقام به ونفذ إلى أم ولده الخيزران فاستدعاها فقدمت عليه في مائة هودج ملبسة بالوشي والديباج وذلك في المحرم سنة تسع وستين ومائة وبقيت عنده يومين وهو فرح بها وبطيب الموضع وصفاء الزمان من الأكدار. فلما كان اليوم الثالث من قدومها حكى «١٠٧»[على بن يقط] ين قال: اليوم أكل المهدي وأكلنا معه [٢٠ أ] ثم قال لي: أريد أنام ساعة فلا تنبهونى حتى أنتبه لنفسي، ومضى ونام ونمنا فانتبهنا بصوت بكائه فجئناه وقلنا: ما أصابك يا أمير المؤمنين؟ قال: بينا أنا نائم إذ رأيت شيخا «١٠٨» واقفا على باب هذا البهو وهو يقول:
كأنى بهذا القصر قد باد أهله ... وأوحش منه دوره ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجة ... وملك إلى قبر عليه جنادله
فلم يبق إلا ذكره وحديثه ... تنادى بويل معولات حلائله
قال عليّ بن يقطين: وما لبث بعد ذلك إلا ثلاثة أيام «١٠٩» . وكانت وفاة المهدي بماسبذان في قرية يقال لها الرذ «١١٠» لثمان ليال بقين من المحرم سنة تسع وستين ومائة. فكانت خلافته عشر سنين وشهرا واحدا وستة وعشرين يوما. وكان سنه ثلاثا وأربعين سنة، وصلى عليه ابنه هارون.