للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدم (١) قول أبي داود: (لا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد، والثقات من أئمة العلم).

ولذا قال البَرْدِيجي: (لا يلتفت إلى رواية الفرد عن شعبة، ممن ليس له حفظ ولا تقدم في الحديث من أهل الإتقان) (٢).

وقال زهير بن معاوية: (ينبغي للرجل أن يتوقى رواية غريب الحديث؛ فإني أعرف رجلا كان يصلي في اليوم مائتي ركعة، ما أفسده عند الناس إلا رواية غريب الحديث) (٣).

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: (كان عندنا رجل يصلي كل يوم خمسمائة ركعة، سقط حديثه في الغرائب) (٤).

قلت: ما ذكره زهير وأبو نعيم بأن هذين الرجلين سقط الاحتجاج بهما؛ لروايتهما الغرائب دون المشاهير.

وتأسيسًا على ما تقدم، فإنه لا يمكن الحكم على حديث ما بالصحة أو الضعف، أو بكونه محفوظا أو منكرا، إلا بعد معرفة شهرته من غرابته.

ولهذا فإن الخبر كلما تعددت طرقه وتباينت مخارجه وكثر نقلته؛ اشتهر أمره وتأكدت صحته، وجُزم به، واطمأنت النفس إليه، وكلما كان بخلاف ذلك؛ بحيث قلّت نقلته، واستُغربت طرقه، ولم يشتهر بين الناس أمره، فإنّ تطرّق الضعف إليه يكون أكثر، وبالتالي يكون التشكك في وقوعه أكبر.

وهذه القاعدة - على التحقيق - راجعة إلى العقل والفطرة، ومن ثمّ فهي محل اتفاق بين الناس جميعًا، على اختلاف أديانهم وتباين مذاهبهم.


(١) (ص: ٤٣٧).
(٢) "شرح علل الترمذي" (٢/ ٥٠٧).
(٣) تقدم (ص: ٤٣٨).
(٤) "الكفاية" (٤٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>