للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثالث في أهمية معرفة الغريب]

اهتمام أبي عيسى الترمذي بمسألة الغرابة والتفرد في الحديث؛ ليس شيئًا تفرّد به دون الأئمة الآخرين، كما قد يُظن، بل هذا الأمر موجود عندهم، وقد اعتنوا به اعتناءً بالغًا، وأشاروا إلى ذلك عند الحكم على الحديث، خلافًا لكثير ممن تأخر؛ فقد تساهلوا بهذا الأمر عند حكمهم على الأحاديث؛ لعدم معرفتهم بأهميته، بل عابوا على المتقدمين ذلك، كما سيأتي عن ابن الجوزي، وهذا بعض ما يميّز مذهب المتقدمين عن غيرهم.

قال أبو داود في "رسالته إلى أهل مكة": (والأحاديث التي وضعتها في كتاب "السنن" أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئًا من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد (١) والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه، ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريبًا شاذًّا، فأما الحديث المشهور المتّصل الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك أحد) (٢).

وقول أبي داود هذا يدل على ما تقدم من اعتناء الأئمة السابقين والحفاظ الماضين بهذه المسألة، فقد بين أنه ما ذَكر في كتابه إلا الأحاديث المشهورة، وأن هذا مما يفتخر به.


(١) الظاهر أنه القطان.
(٢) ص: (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>