الناظر في منهج الأئمة في كتابة الحديث وتدوين السنة، لا يشك في حرصهم الشديد على تتبع الحديث ولقاء المحدثين، حتى جمعوا مئات الألوف من الأسانيد، سواء كانت مرفوعة أو موقوفة على الصحابة أو مقطوعة على من دونهم، فتجد الحديث الواحد يرويه الفئام من الناس، خاصة كلما تأخرت طبقة من رواة، فتجد أن بعض الأئمة يقولون عند الحكم على خبر ما: هذا الحديث لا يرويه إلا فلان، ولم يروه عنه إلا فلان. أو: هو من هذا الوجه غريب. أو: لم يروه إلا أهل البصرة، أو الشام، أو مصر.
ولا شك أن الحكم بهذا من الصعوبة بمكان، مع ملاحظة ما تقدم، وبهذا يعسر الحكم على الحديث بالغرابة والتفرد.
كما قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن حديث سفيان بن عيينة، عن أيوب، عن نافع، أن ابن عمر كان لا يصلي إلى أميال ميّلها مروان، من أيوب؟
قال أحمد: السختياني.
قيل له: إن سعيدا - يعني: ابن منصور - رواه عن أيوب بن موسى.
فأنكر ذلك أحمد أن يكون عن أيوب بن موسى، وقال: ما زلنا نسمع أنه غريب من حديث أيوب السختياني، لم يروه إلا سفيان. يعني ابن عيينة.