للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسباب الاختلاف بين النسخ]

مرد هذا الاختلاف إلى أسباب، منها:

السبب الأول: أن المصنف غالبا إذا صنف كتابه فإنه لا يزال يزيد فيما صنف أبوابا، أو أحاديث، أو يحذف بعض الأحاديث أو الأبواب، ولهذا يحصل تباين بين نسخ الكتاب (١)، ومن المعلوم أن الرواة الذين سمعوا هذه الكتب كثر، فبعضهم يتلقى النسخة المتقدمة، وبعضهم يحضر العرض الأخير للكتاب، فتختلف الروايات لذلك، وهذا ما وقع في موطأ مالك، وصحيح البخاري، وسنن أبي داود، وجامع أبي عيسى، وغيرها من كتب السنة المشهورة.

قال القاضي عياض: (قال عتيق الزبيري: وضع مالك الموطأ على نحو من عشرة آلاف حديث، فلم يزل ينظر فيه سنة، ويسقط منه، حتى بقي هذا، ولو بقي قليلًا لأسقطه كله.

وقال القطان: كان علم الناس في زيادة، وعلم مالك في نقصان، ولو عاش مالك لأسقط علمه كله، يعني: تحريًا.

وقال سليمان بن بلال: لقد وضع مالك الموطأ وفيه أربعة آلاف حديث -أو قال أكثر-، فمات وهي ألف حديث ونيف، يلخصها عامًا عامًا بقدر ما يرى أنه أصلح للمسلمين، وأمثل في الدين) (٢).


(١) ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في "الفهرست" لابن النديم (ص: ٩١)، في كلامه عن كتاب "لجمهرة في علم اللغة" لابن دريد، قال: (مختلِف النسخ، كثير الزيادة والنقصان؛ لأنه أملاه بفارس، وأملاه ببغداد من حفظه، فلما اختلف الإملاء زاد ونقص، ولما أملاه بفارس على غلامه تعلم من أول الكتاب، والباقية التي عليها المعول هي النسخة الأخيرة، وآخر ما صح من النسخ نسخة أبي الفتح عبد الله بن أحمد النحوي، لأنه كتبها من عدة نسخ وقرأها عليه).
(٢) "ترتيب المدارك" (٢/ ٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>