للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يسمي جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثل هشيم، وحفص بن غياث: منكرا.

فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارة على ما انفرد به (١)، مثل عثمان بن أبي شيبة، وأبي سلمة التبوذكي، وقالوا: هذا منكر. فإن روى أحاديث من الأفراد المنكرة، غمزوه، وليّنوا حديثه، وتوقفوا في توثيقه، فإن رجع عنها وأمتنع من روايتها، وجوّز على نفسه الوهم، فهو خير له، وأرجح لعدالته، وليس من حدِّ الثقة أنه لا يغلط ولا يخطئ، فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يُقر على خطأ) (٢).

ويؤيد كلام الذهبي ويشهد له الواقع العملي:

ففي مقدمة "الكامل" لابن عدي، عن أبي بكر بن زَنْجُويه: (قدمت مصر، فأتيت أحمد بن صالح، فسألني: من أين أنت؟ قلت: من بغداد. قال: أين منزلك من منزل أحمد بن حنبل؟ قلت: أنا من أصحابه. قال: تكتب لي موضع منزلك، فإني أريد أن أوافي العراق حتى تجمع بيني وبين أحمد بن حنبل.

فكتبت له، فوافى أحمد بن صالح سنة اثنتي عشرة إلى عفان، فسأل عني فلقيني، فقال: الموعد الذي بيني وبينك. فذهبت به إلى أحمد بن حنبل، واستأذنت له، فقلت: أحمد بن صالح بالباب، فقال: ابن الطبري؟ قلت: نعم، فأذن له، فقام إليه، ورحب به وقرّبه، وقال له: بلغني أنك


(١) وسبب ذلك - كما تقدم - كثرة التحديث وانتشار الرواية، وبالتالي يبعد أن ينفرد شخص بحديث عن باقي أقرانه، فتجد المحدث يروي عنه العدد الكثير، فإذا انفرد أحد التلاميذ عنه بخبر يقال: أين باقي التلاميذ عن هذا الخبر؟ فيكون هذا دليلا على خطئه غالبا.
(٢) "الموقظة" (ص: ٩٤ - ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>