للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يروه غيره) على معنى: لم يروه غيره في الطبقات المتقدمة التي لا يضر التفرد فيها، وكونه لم يذكر ذلك في التعريف لأنه معلوم.

وإما أن يحمل على ظاهره، وهو الأقرب، فيكون مخالفا لما تقدم، وهذا ما ذهب إليه ابن رجب في فهم كلام الشافعي، لذا قال بعد أن ذكره: (وأما أكثر الحفاظ المتقدمين، فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرّد به واحد، وإن لم يَرو الثقات خلافه: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علّة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه، واشتهرت عدالته وحديثه؛ كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضًا، ولهم في كل حديث نقدٌ خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه) (١).

قلت: وقولهم هو المقدّم؛ لاختصاصهم بهذا الأمر.

الشرط الثالث: ألّا يكونَ هذا التفرد عن شخصٍ عُرف بكثرة الرواية والأصحاب؛ كالزهري، وقتادة، والأعمش، وهشام بن عروة، ونحوهم، إلا إذا كان المتفرد معروفًا بكثرة الرواية عنه وشدة الملازمة له.

قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج: (حكم أهل العلم، والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث: أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وُجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه، قبلت زيادته.

فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته، وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم


(١) "شرح علل الترمذي" (١/ ٣٥٢ - ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>