أقوال الأئمة في المسائل والأحكام كقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وابن إسحاق ذكرها بدون أسانيد، ولكنه بين في كتابه العلل الصغير أسانيده إليهم فيها على وجه الإجمال.
خامسا: أن هذا كله بناء على ما فهمه من كلامهم، وهذا مهم، وذلك لأن الفهوم قد تتباين كما هو معلوم، كما أنه ليس كل شيء يسهل تلخيصه، فهذا الذي فعله مقرونٌ بفهمه.
سادسا: من تفننه تنبيهه على المدارس الفقهية كأهل الحديث وغيرهم، كما أنه ينص في بعض الأحيان على قول فقهاء أهل بلد معين، كأهل الكوفة مثلا، وفي بعض الأحيان يذكر مذهب أهل مكة والمدينة.
ويستفاد مما نقله أبو عيسى أن علماء الناس في الغالب كانوا في الحجاز والعراق، ثم بعد ذلك انتشر العلم إلى باقي الأمصار، لذا لم أجد في "كتابه" أنه عزى قولا في مسائل الأحكام إلى أهل الشام أو مصر أو خراسان، وانما إلى أفراد كالأوزاعي في الشام، وابن المبارك في خراسان.
وليس معنى هذا أن هذه البلاد ليس فيها علماء، كيف وقد نزلها الصحابة وهلم جرا؟! ولكن المقصود أن اشتهار العلم في البلاد التي ذكرت كان أكثر وأشهر، ومما يدل على أهمية ذلك أن ابن حبان ألف كتابا سماه "مشاهير فقهاء الأمصار"، وألف الذهبي كتابًا سماه:"الأمصار ذوات الآثار"(١).
وسيأتي ذكر الأمثلة على ذلك في الكلام على منهجه في الفقه.
(١) قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (٢٠/ ٣٠٠ - ٣٠١): (فإن الأمصار الكبار التي سكخها أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وخرج منها العلم والإيمان خمسة: الحرمان والعراقان والشام؛ منها خرج القرآن والحديث والفقه والعبادة وما يتبع ذلك من أمور الإسلام).