للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عامر، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: قال لي أبو موسى: ألم أنبأ أنك إذا خرجت خرجت صائما، وإذا دخلت دخلت صائما؟ فإذا خرجت فأخرج مفطرا، وإذا دخلت فادخل مفطرا (١).

وأخرجه البيهقي (٢) من طريق عثمان بن عمر حدثنا شعبة به.

قلت: وهذا صحيح عن أنس، وفيه أن أنسًا كان إذا أراد أن يسافر لا يفطر بل يخرج صائمًا، وكذا إذا رجع إلى بلده، فإنه يكون صائمًا أيضًا، وظاهر الخبر أنه فعل ذلك مرارًا، وأن هذا هو ديدنه، فأمره أبو موسى أن يكون مفطرًا عندما يريد السفر في الخروج، وعند الدخول.

وقد يكون هذا ما دعا أنسًا أن يفطر عند إرادة السفر بعد أن كان يفعل خلاف ذلك، ولعله ظنَّ من قول أبي موسى الأشعري له في ذلك أنه سنة، ولكن كلامه الذي تقدم ليس فيه ذكر لذلك، وهو الأصح؛ لأنَّه من المتفق عليه: أن المسافر لا يجوز له أن يقصر من الصلاة قبل أن يخرج؛ لأنَّه ما دام في بلده فإنه يعتبر مقيمًا حتى ولو كان قد نوى السفر، فالصيام مثل ذلك، ثم إن الإنسان قد يعزم على السفر فيركب دابته ثم بعد ذلك قد يطرأ عليه ترك السفر، فيكون قد أفطر هذا اليوم وهو لم يسافر، وقبل هذا وبعده لم يُنقل عن رسول الله ولو مرة واحدة أنه قد أفطر قبل أن يخرج، بل ثبت في أحاديث كثيرة أنه كان يصوم في السفر -مع أن الفطر رخصةٌ-، وثبت أن من الصحابة من كان يصوم في السفر أيضًا، وهم مع رسول الله ، لذا كان الصيام في السفر أفضل لمن لم يشق عليه، والفطر أفضل لمن شق عليه الصيام، والله تعالى أعلم.

وأختم بمثال يوضح منهجه في ذلك ويؤكده: ألا وهو حديث ابن


(١) "السنن" (٢٢٩٢).
(٢) "السنن الكبرى" (٨١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>