الوجه الخامس عشر: أنه يسلك طريق الترجيح بين الروايات.
لا يخفى على المشتغلين بعلم الحديث أن الأحاديث تنقسم إلى قسمين:
١ - أحاديثُ استوفتْ شروط الصحة، ولم يقع في أسانيدها ضعفٌ أو اختلافٌ، أو غرابةٌ وشذوذٌ.
٢ - وأحاديث لم تستوف شروط الصحة؛ بأن وقع في أسانيدها من هو متكلّمٌ فيه، فهذه ضعيفةٌ كما هو معلومٌ، وضعفها على درجاتٍ، فأحياناً تتقوَّى إذا تعددتْ طرقها، أو إذا جاء ما يشهد لها؛ وأحياناً لا تتقوَّى. وسوف يأتي الكلام عليها بإذن الله.
وأما التي وقع في أسانيدها أو متونها غرابةٌ أو شذوذٌ، فهذه فيها تفصيلٌ مطولٌ، وقد تقدم الكلام عليها.
وأما التي وقع في أسانيدها أو متونها اختلافٌ؛ فهذه إن أمكن الجمع بين أوجه هذا الاختلاف فبها، وإلا فإنه يُسلَك فيها مسلك الترجيح، وينظر إلى القرائن.
ويلحظ الدارس لمنهج أبي عيسى: أنه يسلك أوجهاً كثيرةً للترجيح بين الروايات، من أشهرها وأظهرها ما يلي:
الأول: ترجيح رواية الأوثق والأحفظ على غيره:
وهذا كثيرٌ في كتابه "الجامع" وهو محلُ اتفاقٍ بين أهل العلم، ومن الأمثلة على ذلك:
١ - قال ﵀ في باب ما جاء في الرجل ينام عن الوتر، أو ينساه: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: