للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك أيضا غير من تقدم من الحفاظ.

ومعرفة مناهج النقاد في الاقتصاد في الجرح والتعديل في غاية من الأهمية في الحكم على الراوي، فقد يذهب البعض عند وقوفه على كلام هؤلاء الأئمة وهو لا يعرف منهجهم إلى أن هذا الراوي ليس بشديد الضعف، وبالتالي قد يتقوى بغيره، وهو ليس كذلك.

أو يظن أن هؤلاء الأئمة تساهلوا في حكمهم على هذا الراوي كما وُصف أبو عيسى بذلك، كما سوف يأتي، وهم في الحقيقة ليسوا كذلك، وإنما هذا من باب الورع والاقتصاد في الجرح، وأن الضرورة ألجأتهم إلى ذلك في سبيل الذب عن الدين والسنة، وإلا لما تكلموا، وأضرب مثالا على ذلك بثوير بن أبي فاختة، قال عنه أبو عيسى في "الجامع": (وثوير يكنى أبا جهم، وهو رجل كوفي، وقد سمع من ابن عمر، وابن الزبير، وابن مهدي كان يغمزه قليلا) (١).

قلت: وثوير واهي الحديث، وقد لا يكتب حديثه.

وأما ما يتعلق بحكم ابن مهدي عليه، فقال عمرو بن علي الفلاس: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، وكان سفيان يحدث عنه (٢).

وقال الآجري عن أبي داود: ضرب ابن مهدي على حديثه (٣).

فإذا عرفنا منهج الترمذي وغيره ممن يقتصدون في الجرح حتى في نقلهم عن بعض الأئمة -مثل ما تقدم قبل قليل في كلام ابن مهدي في ثوير ابن أبي فاختة- يتبين لنا حكم هذا الراوي حقيقة، كما أنه يتيسر للباحث توجيه كلام هؤلاء الأئمة إذا وجد في الراوي، وأن هذا ليس من قبيل التساهل.


(١) (٤/ ١٠٨).
(٢) "الجرح والتعديل" (٢/ ٤٧٢).
(٣) "سؤالات الآجري" (١/ ٣٣٦) (٥٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>