للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا قال الإمام أحمد: (الزهد في الدنيا: قصر الأمل، وقال مرة: قصر الأمل واليأس مما في أيدي الناس) (١).

ووجه هذا أن قصر الأمل يوجب محبة لقاء الله، بالخروج من الدنيا، وطول الأمل يقتضي محبة البقاء فيها، فمن قصُر أملُه، فقد كرِه البقاءَ في الدنيا، وهذا نهايةُ الزهد فيها، والإعراض عنها، واستدل ابن عيينة لهذا القول بقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ الآية [البقرة: ٩٤ - ٩٦].

أقسام الزهد في الدنيا:

قال ابن رجب (٢): (وقد قسم كثير من السلف الزهد أقسامًا:

فمنهم من قال: أفضل الزهد الزهد في الشرك، وفي عبادة ما عبد من دون الله، ثم الزهد في الحرام كله من المعاصي، ثم الزهد في الحلال، وهو أقل أقسام الزهد، فالقسمان الأولان من هذا الزهد، كلاهما واجب، والثالث: ليس بواجب، فإن أعظم الواجبات الزهد في الشرك، ثم في المعاصي كلها.

وكان بكر المزني يدعو لإخوانه: زهَّدَنا الله وإياكم زهد من أمكنه الحرام والذنوب في الخلوات، فعلم أن الله يراه فتركه (٣).

وقال ابن المبارك: قال سلام بن أبي مطيع: الزهد على ثلاثة وجوه: واحد: أن يخلص العمل لله ﷿ والقول، ولا يراد بشيء منه الدنيا، والثاني: ترك ما لا


(١) ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية (٢/ ٢٤١)، والقاضي أبو يعلى في التوكل (ص ٧١).
(٢) ينظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (٢/ ١٨٥).
(٣) ينظر: حلية الأولياء لأبي نعيم (٦/ ٣٠٣)، والمجالسة وجواهر العلم للدينوري (٥/ ٢٤٤).

<<  <   >  >>