للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السالفة: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ [فاطر: ٣٧]، قال: يعني: ستين سنة، وعن ابن عباس أيضًا: أربعون، وعن الحسن البصري ومسروق مثله، وحديث أبي هريرة في الباب حجة لقول علي ومن وافقه في تأويل الآية.

وقول من قال: أربعون سنة له وجه صحيح أيضًا، والحجة له قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ [الأحقاف: ١٥]؛ فذكر الله تعالى: أن من بلغ الأربعين فقد آن له أن يعلم مقدار نعم الله عليه، وعلى والديه، ويشكرها.

قال مالك : أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا والعلم، ويخالطون الناس حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة، فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس، واشتغلوا بالعبادة حتى يأتيهم الموت.

فبلوغ الأربعين نَقْلٌ لابن آدم من حالة إلى حالة أرفع منها في الاستعبار، والإعذار إليه.

وقد أسلفنا قولًا: أن النذير: الشيب، وله وجه، وذلك أنه يأتي في سن الاكتهال، وهو علامة لمفارقة سن الصِّبا الذي هو سن اللهو واللعب، وهو نذير أيضًا، ألا ترى قول إبراهيم حين رأى الشيب: يا رب ما هذا، فقال له: وقار، قال: رب زدني وقارًا؟

فبان رفقُ الله تعالى بعباده المؤمنين، وعظيم لطفه بهم، حتى أعذر عليهم ثلاث مرات، الأولى بنبيه، ثم بالأربعين، ثم بالستين؛ لتتم حجته عليهم، وهذا أجلٌّ لإعذار الحكام إلى المحكوم عليهم مرة بعد أخرى (١).


(١) ينظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (٢٩/ ٤١٤ - ٤١٥).

<<  <   >  >>